تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{مَا ٱلۡقَارِعَةُ} (2)

الآية1 3 : قوله تعالى : { القارعة } { ما القارعة } { وما أدراك ما القارعة }{[23994]} قال : القارعة عندهم ، هي الداهية الشديدة من الأمور ، وهي في هذا الموضع وصف لشدة هول يوم القيامة ، وهو من الله تعالى تذكير لعباده ، وتعجيب له عما يكون في ذلك اليوم من الأحوال والأفعال ، وسمى الله تعالى في كتابه ذلك اليوم بما يكون فيه من اختلاف الأحوال نحو قوله : { الحاقة } و{ والواقعة } وما أشبه ذلك .

فكذلك قوله تعالى : { القارعة } تذكير لهم بما وصف من حال ذلك اليوم وشدته ليتفكروا في العواقب ، ويتدبروا ما يستقبلهم في الأواخر من العذاب ، فيمتنعوا بذلك عما نهاهم الله تعالى عنه .

ثم إن الله تعالى خلق في بني آدم نفسا تدرك بها الشهوات واللذات في الدنيا ، وعقلا تتذكر به عواقب الأمور وأواخرها ، ويزيده ذلك تيقظا وتبصرا ، ثم العقل مرة يدعوها إلى نفسه حتى تميل إلى ما يدعوه في جزاء ما أطمع في العاقبة ، والنفس مرة تدعو ( إلى الشهوات واللذات ){[23995]} فيصير هواه وميله في ما يتلذذ من الشهوات في دنياه . وعلى ذلك تأويل قوله : { إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي } ( يوسف : 53 ) أي يرحمه ، ويعصمه عن اختيار السوء ، أي رحمه حتى جعل هواه في ما توجبه العواقب من الجزاء والثواب .

فكذلك ذكر الله تعالى عباده بما يستقبلهم من الأحوال في ذلك اليوم ليعملوا عقولهم في ( أذكاره وتذكره ){[23996]} ، فينزجروا عما زجرهم عنه ، أو يتذكروا ما{[23997]} وعد لهم من الجزاء في ذلك اليوم ، فيزدادوا بذلك حرصا في الخيرات .


[23994]:ساقطة من الأصل وم
[23995]:في الأصل وم: إليه
[23996]:في الأصل وم: أفكاره والتذكير عنه
[23997]:في الأصل وم: عما