روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{فَلَا تَهِنُواْ وَتَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلسَّلۡمِ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمۡ وَلَن يَتِرَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ} (35)

{ فَلاَ تَهِنُواْ } أي إذا علمتم أن الله تعالى مبطل أعمالهم ومعاقبهم فهو خاذلهم في الدنيا والآخرة فلا تبالوا بهم ولا تظهروا ضعفاً ، فالهاء فصيحة في جواب شرط مفهوم مما قبله ، وقيل : هي لترتيب النهي على ما سبق من الأمر بالطاعة { وَتَدْعُواْ إِلَى السلم } عطف على { تَهِنُواْ } داخل في حيز النهي أي ولا تدعوا الكفار إلى الصلح خوراً وإظهاراً للعجز فإن ذلك إعطاء الدنية ، وجوز أن يكون منصوباً بإضمار أن فيعطف المصدر المسبوك على مصدر متصيد مما قبله كقوله :

لا تنه عن خلق وتأتي مثله *** واستدل ألكيا بهذا النهي على منع مهادنة الكفار إلا عند الضرورة ، وعلى تحريم ترك الجهاد إلا عند العجز ، وقرأ السلمي { وَتَدْعُواْ } بتشديد الدال من ادعى بمعنى دعا ، وفي «الكشاف » ذكر لا في هذه القراءة ، ولعلى ذلك رواية أخرى ، وقرأ الحسن . وأبو رجاء . والأعمش . وعيسى . وطلحة . وحمزة . وأبو بكر { السلام } بكسر السين { وَأَنتُمُ الاْعْلَوْنَ } أي الأغلبون ، والعلو بمعنى الغلبة مجاز مشهور ، والجملة حالية مقررة لمعنى النهي مؤكدة لوجوب الانتهاء وكذا قوله تعالى : { والله مَعَكُمْ } أي ناصركم فإن كونهم الأغلبين وكونه عز وجل ناصرهم من أقوى موجبات الاجتناب عما يوهم الذل والضراعة .

وقال أبو حيان : يجوز أن يكونا جملتين مستأنفتين أخبروا أولاً أنهم الأعلون وهو إخبار بمغيب أبرزه الوجود ثم ارتقى إلى رتبة أعلى من التي قبلها وهي كون الله تعالى معهم { وَلَن يَتِرَكُمْ أعمالكم } قال : ولن يظلمكم ، وقيل : ولن ينقصكم ، وقيل : ولن يضيعها ، وهو كما قال أبو عبيد . والمبرد من وترت الرجل إذا قتلت له قتيلاً من ولد أو أخ أو حميم أو سلبته ماله وذهبت به ، قال الزمخشري : وحقيقته أفردته من قريبه أو ماله من الوتر وهو الفرد ، فشبه إضاعة عمل العامل وتعطيل ثوابه بوتر الواتر وهو من فصيح الكلام ، وفيه هنا من الدلالة على مزيد لطف الله تعالى ما فيه ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله " والظاهر على ما ذكره أنه لا بد من تضمين وترته معنى السلب ونحوه ليتعدى إلى المفعول الثاني بنفسه ، وفي «الصحاح » أنه من الترة وحمله على نزع الخافض أي جعلته موتوراً لم يدرك ثاره في ذلك كأنه نقصه فيه وجعله نظير دخلت البيت أي فيه وهو سديد أيضاً .

وجوز بعضهم { يتر } ههنا متعدياً لواحد و { يَعْلَمُ أعمالكم } بدل من ضمير الخطاب أي لن يتر أعمالكم من ثوابها .

والجملة قيل معطوفة على قوله تعالى : { مَّعَكُمْ } وهي وإن لم تقع حالاً استقلالاً لتصديرها بحرف الاستقبال المنافي للحال على ما صرح به العلامة التفتازاني وغيره لكنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في غيره ، وقيل : المانع من وقوع المصدرة بحرف الاستقبال حالاً مخالفته للسماع وإلا فلا مانع من كونها حالاً مقدرة مع أنه يجوز أن تكون { لَنْ } لمجرد تأكيد النفي ، والظاهر أن المانعين بنو المنع على المنافاة وإنها إذا زالت باعتباراً أحد الأمرين فلا منع لكن قيل : إن الحال المقصود منها بيان الهيئة غير الحال الذي هو أحد الأزمنة والمنافاة إنما هي بين هذا الحال والاستقبال . وهذا نظير ما قال مجوز ومجيء الجملة الماضية حالاً بدون قد ، وما لذلك وما عليه في كتب النحو ، وإذاجعلت الجملة قبل مستأنفة لم يكن إشكال في العطف أصلاً .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَلَا تَهِنُواْ وَتَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلسَّلۡمِ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمۡ وَلَن يَتِرَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ} (35)

قوله تعالى : { فلا تهنوا } لا تضعفوا { وتدعوا إلى السلم } أي لا تدعوا إلى الصلح ابتداء ، منع الله المسلمين أن يدعوا الكفار إلى الصلح ، وأمرهم بحربهم حتى يسلموا ، { وأنتم الأعلون } الغالبون ، قال الكلبي : آخر الأمر لكم وإن غلبوكم في بعض الأوقات ، { والله معكم } بالعون والنصرة ، { ولن يتركم أعمالكم } أي ينقصكم شيئاً من ثواب أعمالكم ، يقال : وتره يتره وتراً وترةً : إذا نقص حقه ، قال ابن عباس ، وقتادة ومقاتل والضحاك : لن يظلمكم أعمالكم الصالحة بل يؤتيكم أجورها .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{فَلَا تَهِنُواْ وَتَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلسَّلۡمِ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمۡ وَلَن يَتِرَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ} (35)

قوله : { فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم } { تهنوا } من الوهن ، ومعناه الضعف{[4247]} أي لا تضعفوا وتلينوا وتدعوا أعداءكم إلى الصلح والموادعة { وأنتم الأعلون } أي العالون عليهم ، الغالبون بالكثرة والحجة واليقين . فما بال المسلمين ، وهم الأكثرون والأعلون بقوة عقيدتهم وكمال دينهم ، الإسلام ، وعظيم كتابهم ، القرآن ، يضعفون ويلينون ويسالمون الأعداء الكافرين على اختلاف مذاهبهم ومللهم . وما ينبغي للمسلمين البتة- وهم الأكثرون والأصدقون والأعظمون خيرا ونفعا للبشرية ورحمة بها أن يواعدوا الأعداء المجرمين ويسالموهم . بل عليهم أن يستعدوا للقائهم من أجل قهرهم وإضعاف شوكتهم وإذهاب شرهم وفسادهم ، ما داموا لا ينثنون ولا يرتدعون عن عدوانهم وباطلهم وتخريبهم وعبثهم إلا بالحزم والقوة .

قوله : { والله معكم } الله مع عباده المؤمنين المجاهدين الصابرين ، فهو ناصرهم مؤيدهم وخاذل أعدائهم .

قوله : { ولن يتركم أعمالكم } { يتركم } ينقصكم . يقال : وتره حقه يتره وترا بكسر التاء ، أي نقصه{[4248]} والمعنى : لن ينقصكم الله أجور أعمالكم{[4249]} .


[4247]:القاموس المحيط جـ 4 ص 278.
[4248]:مختار الصحاح ص 707.
[4249]:تفسير ابن كثير جـ 4 ص 181 وتفسير الطبري جـ 26 ص 40 وتفسير الرازي جـ 28 ص 73.