تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{فَلَا تَهِنُواْ وَتَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلسَّلۡمِ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمۡ وَلَن يَتِرَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ} (35)

32

المفردات :

فلا تهنوا : فلا تضعفوا عن القتال ، من الوهن وهو الضعف ، وقد وهن الإنسان ووهَّنه غيره .

وتدعوا إلى السلم : وتدعوا الكفار إلى الصلح ، خوفا وإظهارا للعجز .

الأعلون : الغالبون .

والله معكم : ناصركم .

ولن يتركم أعمالكم : لن ينقصكم ثواب أعمالكم ، من وترت الرجل : إذا قتلت له قتيلا من ولد أو أخ أو حميم ، أو سلبت ماله وذهبت به ، فشبه إضاعة عمل العامل وتعطيل ثوابه بوتر الواتر ، وهو إضاعة شيء معتد به من الأنفس والأموال .

التفسير :

35- { فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم } .

الخطاب هنا للمؤمنين ، يرفع الله روحهم المعنوية ، ويحثهم على الجهاد ، ويأخذ بأيديهم إلى منازل العلياء .

والمعنى :

لا تضعفوا ولا تجبنوا ، ولا تخافوا من الجهاد والقتال ، ولا تمدوا أيديكم إلى السلام في وقت يتيه فيه الأعداء المتغطرسون عليكم .

{ وأنتم الأعلون . . . }

فأنتم في معية الله ، وأنتم حراس دينه ، وأنتم حملة لواء الإيمان ، وأنتم الأمة الوسط ، وأنتم على الحق وعدوكم على الباطل .

{ والله معكم . . . }

بنصره وتأييده وعنايته ورعايته وتوفيقه ، قال تعالى : { ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم } . ( محمد : 11 ) .

قال ابن كثير : وفي قوله تعالى : { والله معكم . . . } بشارة عظيمة بالنصر والظفر على الأعداء .

{ ولن يتركم أعمالكم } .

ولن يضيع ثواب أعمالكم ، ولن يحبطها ، ولن يسلبكم إياها ، بل يوفيكم ثواب أعمالكم كاملا غير منقوص .

والآية تحث المؤمنين على الجهاد والقتال عند القوة والقدرة ، وفي آيات أخرى أباح لهم الموادعة والسلام والمهادنة ، إذا كان ذلك لحكمة أو مناسبة .

قال ابن كثير :

. . . أما إذا كان الكفار فيهم قوة وكثرة بالنسبة إلى جميع المسلمين ، ورأى الإمام في المهادنة والمعاهدة مصلحة ، فله أن يفعل ذلك ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صده كفار قريش عن مكة ، ودعوه إلى الصلح ، ووضع الحرب بينهم وبينه عشر سنين ، فأجابهم صلى الله عليه وسلم إلى ذلك10 .