البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَلَا تَهِنُواْ وَتَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلسَّلۡمِ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمۡ وَلَن يَتِرَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ} (35)

وتره : نقصه ، مأخوذ من الدخل . وقيل من الوتر ، وهو الفرد .

{ فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم } : وهو الصلح .

وقرأ الجمهور : وتدعوا ، مضارع دعا ؛ والسلمي : بتشديد الدال ، أي تفتروا ؛ والجمهور : إلى السلم ، بفتح السين ؛ والحسن ، وأبو رجاء ، والأعمش ، وعيسى ، وطلحة ، وحمزة ، وأبو بكر : بكسرها .

وتقدم الكلام على السلام في البقرة في قوله : { ادخلوا في السلام كافة } وقال الزمخشري : وقرىء : ولا تدعوا من ادعى القوم ، وتداعوا إذا ادعوا ، نحو قولك : ارتموا الصيد وتراموا . انتهى .

والتلاوة بغير لا ، وكان يجب أن يأتي بلفظ التلاوة فيقول : وقرىء : وتدعوا معطوف على تهنوا ، فهو مجزوم ، ويجوز أن يكون مجزوماً بإضمار إن .

{ وأنتم الأعلون } : أي الأعليون ، وهذه الجملة حالية ؛ وكذا : { والله معكم } .

ويجوز أن يكونا جملتي استئناف ، أخبر أولاً بقوله : { أنتم الأعلون } ، فهو إخبار بمغيب أبرزه الوجود ، ثم ارتقى إلى رتبة أعلى من التي قبلها ، وهي كون الله تعالى معهم .

{ ولن يتركم } ، قال ابن عباس : ولن يظلمكم ؛ وقيل : لن يعريكم من ثواب أعمالكم ؛ وقيل : ولين ينقصكم .

وقال الزمخشري ، وقال أبو عبيد : { ولن يتركم } : من وترت الرجل ، إذا قتلت له قتيلاً من ولد أو أخ أو حميم أو قريب ؛ قال : أو ذهبت بماله ؛ قال : أو حربته ، وحقيقته أفردته من قريبه أو ماله من الوتر وهو الفرد .

فشبه إضاعة عمل العامل وتعطيل ثوابه بوتر الواتر ، وهو من فصيح الكلام ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : « من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله » ، أي أفرد عنهما قتلاً ونهباً .