روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَهُمۡ يَصۡطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ أَوَلَمۡ نُعَمِّرۡكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُۖ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} (37)

{ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا } افتعال من الصراخ وهو شدة الصياح والأصل يصترخون فأبدلت التاء طاء ويستعمل كثيراً في الاستغاثة لأن المستغيث يصيح غالباً ، وبه فسره هنا قتادة فقال : يستغيثون فيها ، واسغاثتهم بالله عز وجل بدليل ما بعده وقيل ببعضهم لحيرتهم وليس بذاك .

{ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صالحا غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ } بإضمار القول أي ويقولون بالعطف أو يقولون بدونه على أنه تفسير لما قبله أو قائلين على أنه حال من ضميرهم ، وتقييد العمل الصالح بالوصف المذكور للتحسر على ما عملوه من غير الصالح مع الاعتراف به والإشعار بأن استخراجهم لتلافيه فهو وصف مؤكد ولأنهم كانوا يحسبون أنهم يحسنون صنعاً فكأنهم قالوا : نعمل صالحاً غير الذي كنا نحسبه صالحاً فنعمله فالوصف مقيد .

وذكر أبو البقاء { أَنَّ صالحا . وَغَيْرُ الذي } يجوز أن يكونا صفتين لمصدر محذوف أو لمفعول محذوف وأن يكون { صالحا } نعتاً لمصدر و { غَيْرَ الذي } مفعول { نَعْمَلْ } وأياً ما كان فالمراد أخرجنا من النار وردنا إلى الدنيا نعمل صالحاً وكأنهم أرادوا بالعمل الصالح التوحيد وامتثال أمر الرسول عليه الصلاة والسلام والانقياد له ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : { نَعْمَلْ صالحا } نقل لا إله إلا الله { أَوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ } جواب من جهته تعالى وتوبيخ لهم في الآخرة حين يقولون { رَبَّنَا } الخ فهو بتقدير فنقول لهم أو فيقال لهم { أَوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ } الخ ، وفي بعض الآثار أنهم يجابون بذلك بعد مقدار الدنيا ، والهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام وما موصولة أو موصوفة أي ألم نمهلكم ونعمركم الذي أي العمر الذي أو عمراً يتذكر فيه من تذكر أي يتمكن فيه من أراد التذكر وتحققت منه تلك الإرادة من التذكر والتفكر .

وقال أبو حيان : ما مصدرية ظرفية أي ألم نعمركم في مدة تذكر ، وتعقب بأن ضمير { فِيهِ } يأباه لأنها لا يعود عليها ضمير إلا على نظر الأخفش فإنه يرى اسميتها وهو ضعيف ، ولعله يجعل الضمير للعمر المفهوم من { نعمر } وفيه بعد .

وجعل ما نافية لا يصح كما قال ابن الحاجب لفظاً ومعنى ، وهذا العمر على ما روى عن علي كرم الله تعالى وجهه وأخرجه جماعة وصححه الحاكم عن ابن عباس ستون سنة ، وقد أخرج الإمام أحمد . والبخاري . والنسائي . وغيرهم عن سهل بن سعد قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اعذر الله تعالى إلى امرىء أخر عمره حتى بلغ ستين سنة ؛ وقيل : هو خمسون سنة » وفي رواية عن ابن عباس أنه ست وأربعون سنة ، وأخرج عبد بن حميد .

وابن حاتم عن الحسن أنه أربعون سنة ، وفي رواية أخرى عنه أنه سن البلوغ ، وقيل : سبع عشرة سنة ، وعن قتادة ثمان عشرة سنة ، وعن عمر بن عبد العزيز عشرون سنة ، وعن مجاهد مابين العشرين إلى الستين ، وقرأ الأعمش { مَا يُذْكَرُ فِيهَا مِنْ اذكر } بالإدغام واجتلاب همزة الوصل ملفوظاً بها في الدرج { وَجَاءكُمُ النذير } عطف على معنى الجملة الاستفهامية فكأنه قيل : عمرناكم وجاءكم النذير فليس من عطف الخبر على الإنشاء كما في قوله تعالى : { ألم نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } [ الشرح : 1 ، 2 ] وجوز أن يكون عطفاً على { نُعَمّرْكُمْ } ودخول الهمزة عليهما فلا تغفل .

والمراد بالنذير على ما روى عن السدي . وابن زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل : ما معه من القرآن ، وقال أبو حيان : المراد جنس النذير وهم الأنبياء عليهم السلام فكل نبي نذير أمته ، ويؤيده أنه قرئ { النذر } جمعاً ، وعن ابن عباس . وعكرمة . وسفيان بن عيينة . ووكيع . والحسين بن الفضل . والفراء . والطبرسي هو الشيب ، وفي الأثر ما من شعرة تبيض إلا قالت لأختها استعدى فقد قرب الموت ، ومن هنا قيل :

رأيت الشيب من نذر المنايا *** لصاحبه وحسبك من نذير

وقائلة تخضب يا حبيبي *** وسود شعر شيبك بالعبير

فقلت لها المشيب نذير عمري *** ولست مسوداً وجه النذير

وقيل : الحمى ، وقيل : موت الأهل والأقارب ، وقيل : كمال العقل ، والاقتصار على النذير لأنه الذي يقتضيه المقام ، والفاء في قوله تعالى : { فَذُوقُواْ } لترتيب الأمر بالذوق على ما قبلها من التعمير ومجيء النذير ، وفي قوله سبحانه : { فَمَا للظالمين مِن نَّصِيرٍ } للتعليل ، والمراد بالظلم هنا الكفر ، قيل كان الظاهر فما لكم لكن عدل إلى المظهر لتقريعهم ، والمراد استمرار نفي أن يكون لهم نصير يدفع عنهم العذاب .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَهُمۡ يَصۡطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ أَوَلَمۡ نُعَمِّرۡكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُۖ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} (37)

أي : يصرخون ويتصايحون ويستغيثون ويقولون : { رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } فاعترفوا بذنبهم ، وعرفوا أن اللّه عدل فيهم ، ولكن سألوا الرجعة في غير وقتها ، فيقال لهم : { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا } أي : دهرا وعمرا { يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ } أي : يتمكن فيه من أراد التذكر من العمل ، متعناكم في الدنيا ، وأدررنا عليكم الأرزاق ، وقيضنا لكم أسباب الراحة ، ومددنا{[746]}  لكم في العمر ، وتابعنا عليكم الآيات ، وأوصلنا إليكم النذر ، وابتليناكم بالسراء والضراء ، لتنيبوا إلينا وترجعوا إلينا ، فلم ينجع فيكم إنذار ، ولم تفد فيكم موعظة ، وأخرنا عنكم العقوبة ، حتى إذا انقضت آجالكم ، وتمت أعماركم ، ورحلتم عن دار الإمكان ، بأشر الحالات ، ووصلتم إلى هذه الدار دار الجزاء على الأعمال ، سألتم الرجعة ؟ هيهات هيهات ، فات وقت الإمكان ، وغضب عليكم الرحيم الرحمن ، واشتد عليكم عذاب النار ، ونسيكم أهل الجنة ، فامكثوا فيها خالدين مخلدين ، وفي العذاب مهانين ، ولهذا قال : { فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ } ينصرهم فيخرجهم منها ، أو يخفف عنهم من عذابها .


[746]:- كذا في: ب، وفي أ: مدينا.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَهُمۡ يَصۡطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ أَوَلَمۡ نُعَمِّرۡكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُۖ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} (37)

قوله تعالى : { وهم يصطرخون } يستغيثون ويصيحون ، { فيها } وهو : افتعال ، من الصراخ ، وهو الصياح ، يقولون : { ربنا أخرجنا } من النار ، { نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل } في الدنيا من الشرك والسيئات ، فيقول الله لهم توبيخاً : { أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر } قيل : هو البلوغ ، وقال عطاء وقتادة والكلبي : ثمان عشرة سنة . وقال الحسن : أربعون سنة . وقال ابن عباس : ستون سنة ، ويروي ذلك عن علي ، وهو العمر الذي أعذر الله تعالى إلى ابن آدم .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا ابن يوسف أنبأنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا عبد السلام بن مطهر ، حدثنا عمر بن علي ، عن معز بن محمد الغفاري ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أعذر الله تعالى إلى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة " .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا الحسين بن محمد بن فنجويه ، حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، حدثنا إبراهيم بن سهلويه ، حدثنا الحسن بن عرفة ، أنبأنا المحاربي عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين " . وأقلهم من يجوز ذلك . قوله { وجاءكم النذير } يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم ، هذا قول أكثر المفسرين . وقيل : القرآن . وقال عكرمة ، وسفيان بن عيينة ، ووكيع : هو الشيب . معناه أولم نعمركم حتى شبتم . ويقال : الشيب نذير الموت . وفي الأثر : ما من شعرة تبيض إلا قالت لأختها : استعدي فقد قرب الموت " . { فذوقوا فما للظالمين من نصير*إن الله عالم غيب السموات والأرض غنه عليم بذات الصدور* }