روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجۡوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَيَتَنَٰجَوۡنَ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِۖ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوۡكَ بِمَا لَمۡ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ لَوۡلَا يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ حَسۡبُهُمۡ جَهَنَّمُ يَصۡلَوۡنَهَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (8)

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نُهُواْ عَنِ النجوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : نزلت في اليهود والمنافقين كانوا يتناجون دون المؤمنين وينظرون إليهم ويتغامزون بأعينهم يوهمونهم عن أقاربهم أنهم أصابهم شر فلا يزالون كذلك حتى تقدم أقاربهم فلما كثر ذلك منهم شكا المؤمنون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فنهاهم أن يتناجوا دون المؤمنين فعادوا لمثل فعلهم ، وقال مجاهد نزلت في اليهود .

/ وقال ابن السائب : في المنافقين ، والخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام والهمزة للتعجيب من حالهم ، وصيغة المضارع للدلالة على تكرر عودهم وتجدده واستحضار صورته العجيبة ، وقوله تعالى :

{ ويتناجون بالإثم والعدوان وَمَعْصِيَة الرسول } عطف عليه داخل في حكمه أي ويتناجون بما هو إثم في نفسه ووبال عليهم وتعدّ على المؤمنين وتواص بمخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وذكره عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة بين الخطابين المتوجهين وإليه صلى الله عليه وسلم لزيادة تشنيعهم واستعظام معصيتهم .

وقرأ حمزة . وطلحة . والأعمش . ويحيى بن وثاب . ورويس وينتجون بنون ساكنة بعد الياء وضم الجيم مضارع انتجى ، وقرأ أبو حيوة العدوان بكسر العين حيث وقع ، وقرئ معصيات بالجمع ونسبت فيما بعد إلى الضحاك { وَإِذَا جَاءوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ الله } صح من رواية البخاري . ومسلم . وغيرهما عن عائشة " أن ناساً من اليهود دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : السام عليك يا أبا القاسم فقال عليه الصلاة والسلام : وعليكم ، قالت عائشة : وقلت : عليكم السام ولعنكم الله وغضب عليكم " وفي رواية " عليكم السام والذام واللعنة ، فقال عليه الصلاة والسلام : يا عائشة إن الله لا يحب الفاحش ولا المتفحش ، فقلت : ألا تسمعهم يقولون : السام ؟ا فقال صلى الله عليه وسلم : أو ما سمعت أقول : وعليكم ؟ا فأنزل الله تعالى { وَإِذَا جاؤوك } " الآية .

وأخرج أحمد . والبيهقي في «شعب الإيمان » بسند جيد عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم سام عليك يريدون بذلك شتمه ثم يقولون في أنفسهم : لولا يعذبنا الله بما نقول فنزلت هذه الآية { بالشاكرين وَإِذَا جَاءكَ } الخ ، والسام قال ابن الأثير : المشهور فيه ترك الهمز ويعنون به الموت ، وجاء في رواية مهموزاً ومعناه أنكم تسأمون دينكم ، وصرح الخفاجي بأنه بمعنى الموت عبراني ، ولم يذكر فيه الهمز وتركه .

وقال الطبرسي : من قال : السام الموت فهو من سأم الحياة بذهابها وهذا إرجاع له إلى المهموز ، وجعل البيضاوي من التحية التي لم يحيه بها الله تعالى تحيتهم له عليه الصلاة والسلام بأنعم صباحاً وهي تحية الجاهلية كعم صباحاً ولم نقف على أثر في ذلك ، وقوله تعالى : { وَيَقُولُونَ في أَنفُسِهِمْ } أي فيما بينهم ، وجوز إبقاؤه على ظاهره { لَوْلاَ يُعَذّبُنَا الله بِمَا نَقُولُ } أي هلا يعذبنا الله تعالى بسبب ذلك لو كان محمد صلى الله عليه وسلم نبياً أي لو كان نياً عذبنا الله تعالى بسبب ما نقول من التحية أوفق بالأول لأن أنعم صباحاً دعاء بخير والعدول إليه عن تحية الإسلام التي حيا الله تعالى بها رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأشير إليها بقوله تعالى : { سلام على المرسلين } [ الصافات : 181 ] { وسلام على عِبَادِهِ الذين اصطفى } [ النمل : 59 ] وما جاء في التشهد «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته » ليس فيه كثير إثم يتوقع معه التعذيب الدنيوي حتى أنهم يقولون ذلك إذا لم يعذبوا اللهم إلا إذا انضم إليه أنهم قصدوا بذلك تحقيراً وإعلاناً بعدم الاكتراث ، ولعل قائل ذلك هم المنافقون من المشركين وهو أظهر من كون قائله اليهود ، وحكم التحية به اليوم أنها خلاف السنة ، والقول بالكراهة غير بعيد .

وفي تحفة المحتاج لا يستحق مبتدي بنحو صبحك الله بالخير أو قواك الله جوباً ودعاؤه له في نظيره حسن إلا أن يقصد بإهماله له تأديبه لتركه سنة السلام انتهى ، وأنعم صباحاً نحو صبحك الله بالخير ، غاية ما في الباب أنه دعاء كان يستعمل تحية في الجاهلية ، نعم تحيتهم به له عليه الصلاة والسلام على الوجه الذي قصدوه حرام بلا خلاف { حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ } عذاباً { يَصْلَوْنَهَا } يدخلونها أو يقاسون حرها أو يصطلون بها .

{ فَبِئْسَ المصير } أي جهنم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجۡوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَيَتَنَٰجَوۡنَ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِۖ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوۡكَ بِمَا لَمۡ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ لَوۡلَا يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ حَسۡبُهُمۡ جَهَنَّمُ يَصۡلَوۡنَهَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (8)

ثم قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ *( 8 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( 9 ) } .

النجوى هي : التناجي بين اثنين فأكثر ، وقد تكون في الخير ، وتكون في الشر .

فأمر الله تعالى المؤمنين أن يتناجوا بالبر ، وهو اسم جامع لكل خير وطاعة ، وقيام بحق لله ولعباده{[1010]}  والتقوى ، وهي [ هنا ] : اسم جامع لترك جميع المحارم والمآثم ، فالمؤمن يمتثل هذا الأمر الإلهي ، فلا تجده مناجيا ومتحدثا إلا بما يقربه من الله ، ويباعده من سخطه ، والفاجر يتهاون بأمر الله ، ويناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ، كالمنافقين الذين هذا دأبهم وحالهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم .

قال تعالى { وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ } أي : يسيئون الأدب معك في تحيتهم لك ، { وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ } أي : يسرون في أنفسهم{[1011]}  ما ذكره عالم الغيب والشهادة عنهم ، وهو قولهم : { لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ } ومعنى ذلك أنهم يتهاونون بذلك ، ويستدلون بعدم تعجيل العقوبة عليهم ، أن ما يقولون غير محذور ، قال تعالى في بيان أنه يمهل ولا يهمل : { حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ } أي : تكفيهم جهنم التي جمعت كل شقاء وعذاب [ عليهم ] ، تحيط بهم ، ويعذبون بها { فَبِئْسَ الْمَصِيرُ } .


[1010]:- في ب: بحق الله وحق عباده.
[1011]:- في ب: يسرون فيها.
 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجۡوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَيَتَنَٰجَوۡنَ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِۖ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوۡكَ بِمَا لَمۡ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ لَوۡلَا يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ حَسۡبُهُمۡ جَهَنَّمُ يَصۡلَوۡنَهَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (8)

{ أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنْ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( 8 ) } .

ألم تر -يا محمد- إلى اليهود الذين نُهوا عن الحديث سرًّا بما يثير الشك في نفوس المؤمنين ، ثم يرجعون إلى ما نُهوا عنه ، ويتحدثون سرًّا بما هو إثم وعدوان ومخالفة لأمر الرسول ؟ وإذا جاءك -يا محمد- هؤلاء اليهود لأمر من الأمور حيَّوك بغير التحية التي جعلها الله لك تحية ، فقالوا : ( السام عليك ) أي : الموت لك ، ويقولون فيما بينهم : هلا يعاقبنا الله بما نقول لمحمد إن كان رسولا حقًا ، تكفيهم جهنم يدخلونها ، ويقاسون حرها ، فبئس المرجع هي .