روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡرِي نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (207)

{ وَمِنَ الناس مَن يَشْرِي نَفْسَهُ } أي يبيعها ببذلها في الجهاد على ما روي عن ابن عباس والضحاك رضي الله تعالى عنهما أن الآية نزلت في سرية الرجيع ، أو في الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر على ما أخرج ابن جرير عن أبي الخليل قال : سمع عمر رضي الله تعالى عنه إنساناً يقرأ هذه الآية فاسترجع وقال : قام رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل .

{ ابتغاء مرضات الله } أي طلباً لرضاه ، فابتغاء مفعول له ، ومرضات مصدر بني كما في «البحر » على التاء كمدعاة ، والقياس تجريده منها ، وكتب في المصحف بالتاء ووقف عليه بالتاء والهاء وأكثر الروايات أن الآية نزلت في صهيب الرومي رضي الله تعالى عنه ، / فقد أخرج جماعة أنّ صهيباً أقبل مهاجراً نحو النبي صلى الله عليه وسلم فاتبعه نفر من المشركين فنزل عن راحلته ونثر ما في كنانته وأخذ قوسه ثم قال : يا معشر قريش ، لقد علمتم أني من أرماكم رجلاً ؛ وأيم الله لا تصلون إليّ حتى أرمي بما في كنانتي ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء ، ثم افعلوا ما شئتم . فقالوا : دلنا على بيتك ومالك بمكة ونخلي عنك ، وعاهدوه إن دلهم أن يدعوه ففعل ، فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أبا يحيى ربح البيع ربح البيع " وتلا له الآية . وعلى هذا يكون الشراء على ظاهره بمعنى الاشتراء .

وفي الكواشي : أنها نزلت في الزبير بن العوام وصاحبه المقداد بن الأسود لما قال عليه الصلاة والسلام : " من ينزل خبيباً عن خشبته فله الجنة " فقال : أنا وصاحبي المقداد وكان خبيب قد صلبه أهل مكة . وقال الإمامية وبعض منا : إنها نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه حين استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على فراشه بمكة لما خرج إلى الغار ، وعلى هذا يرتكب في الشراء مثل ما ارتكب أولاً { والله رَءوفٌ بالعباد } أي المؤمنين حيث أرشدهم لما فيه رضاه ، وجعل النعيم الدائم جزاء العمل المنقطع وأثاب على شراء ملكه بملكه .

( ومن باب الإشارة ) : { وَمِنَ الناس مَن } [ البقرة : 7 20 ] يبذل نفسه في سلوك سبيل الله طلباً لرضاه ولا يلتفت إلى القال والقيل ولا يغلو لديه في طلب مولاه جليل .