الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡرِي نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (207)

أخرج ابن مردويه عن صهيب قال " لما أردت الهجرة من مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت لي قريش : يا صهيب قدمت إلينا ولا مال لك ، وتخرج أنت ومالك والله لا يكون ذلك أبدا ، فقلت لهم : أرأيتم إن دفعت لكم مالي تخلون عني ؟ قالوا : نعم . فدفعت إليهم مالي فخلوا عني ، فخرجت حتى قدمت المدينة ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ربح البيع صهيب مرتين " .

وأخرج ابن سعد والحرث بن أبي أسامة في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن سعيد بن المسيب قال " أقبل صهيب مهاجرا نحو النبي صلى الله عليه وسلم ، فاتبعه نفر من قريش ، فنزل عن راحلته وانتثل ما في كنانته ثم قال : يا معشر قريش قد علمتم أني من أرماكم رجلا ، وأيم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم في كنانتي ، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي فيه شيء ، ثم افعلوا ما شئتم ، وإن شئتم دللتكم على مالي وقنيتي بمكة وخليتم سبيلي . قالوا : نعم . فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال : ربح البيع ، ربح البيع . ونزلت { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد } " .

وأخرج الطبراني وابن عساكر عن ابن جريج في قوله { ومن الناس من يشري نفسه } قال : نزلت في صهيب بن سنان وأبي ذر .

وأخرج ابن جرير والطبراني عن عكرمة في قوله { ومن الناس من يشري نفسه . . . } الآية . قال " نزلت في صهيب بن سنان ، وأبي ذر الغفاري ، وجندب بن السكن أحد أهل أبي ذر ، أما أبو ذر فانفلت منهم ، فقدم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رجع مهاجرا عرضوا له وكانوا بمر الظهران ، فانفلت أيضا حتى قدم على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما صهيب فأخذه أهله فافتدى منهم بماله ، ثم خرج مهاجرا فأدركه قنفذ بن عمير بن جدعان ، فخرج مما بقي من ماله وخلى سبيله " .

وأخرج الطبراني والحاكم والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن صهيب قال : لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هممت بالخروج ، فصدني فتيان من قريش ثم خرجت ، فلحقني منهم أناس بعد ما سرت ليردوني ، فقلت لهم : هل لكم إن أعطيكم أواقي من ذهب وتخلوا سبيلي ؟ ففعلوا . فقلت : احفروا تحت أسكفة الباب فإن تحتها الأواقي ، وخرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء قبل أن يتحول منها ، فلما رآني قال : يا أبا يحيى ربح البيع ، ثم تلا هذه الآية .

وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله { ومن الناس من يشري نفسه . . . } الآية . قال : هم المهاجرون والأنصار .

وأخرج وكيع والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن المغيرة بن شعبة قال : كنا في غزاة فتقدم رجل فقاتل حتى قتل ، فقالوا : ألقى بيده إلى التهلكة . فكتب فيه إلى عمر ، فكتب عمر : ليس كما قالوا ، هو من الذين قال الله فيهم { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله } .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن محمد بن سيرين قال : حمل هشام بن عامر على الصف حتى خرقه ، فقالوا : ألقى بيده . فقال أبو هريرة { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله } .

وأخرج البيهقي في سننه عن مدركة بن عوف الأحمسي . أنه كان جالسا عند عمر فذكروا رجلا شرى نفسه يوم نهاوند ، فقال : ذاك خالي زعم الناس أنه ألقى نفسه إلى التهلكة . فقال عمر : كذب أولئك ، بل هو من الذين اشتروا الآخرة بالدنيا .

وأخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله } قال : نزلت في صهيب ، وفي نفر من أصحابه ، أخذهم أهل مكة فعذبوهم ليردوهم إلى الشرك بالله منهم : عمار ، وأمية ، وسمية ، وأبو ياسر ، وبلال ، وخباب ، وعباس مولى حويطب بن عبد العزى .

وأخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن صهيب " أن المشركين لما أطافوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبلوا على الغار وأدبروا قال : واصهيباه ولا صهيب لي . فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج بعث أبا بكر مرتين أو ثلاثا إلى صهيب ، فوجده يصلي فقال أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم : وجدته يصلي ، فكرهت أن أقطع عليه صلاته . فقال : أصبت وخرجا من ليلتهما ، فلما أصبح خرج حتى أتى أم رومان زوجة أبي بكر ، فقالت : ألا أراك ههنا وقد خرج أخواك ووضعا لك شيئا من زادهما ؟ قال صهيب : فخرجت حتى دخلت على زوجتي أم عمرو ، فأخذت سيفي وجعبتي وقوسي حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأجده وأبا بكر جالسين ، فلما رآني أبو بكر قام إلي فبشرني بالآية التي نزلت في ، وأخذ بيدي فلمته بعض اللائمة ، فاعتذر وربحني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ربح البيع أبا يحيى " .

وأخرج ابن أبي خيثمة وابن عساكر عن مصعب بن عبد الله قال " هرب صهيب من الروم ومعه مال كثير ، فنزل بمكة فعاقد عبد الله بن جدعان وحالفه ، وإنما أخذت الروم صهيبا بن رضوى ، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لحقه صهيب ، فقالت له قريش : لا تلحقه بأهلك ومالك فدفع إليهم ماله ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ربح البيع . وأنزل الله في أمره { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله } وأخوه مالك بن سنان " .

وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : كنت قاعدا عند عمر إذ جاءه كتاب : أن أهل الكوفة قد قرأ منهم القرآن كذا وكذا فكبر ، فقلت : اختلفوا . قال : من أي شيء عرفت ؟ قال : قرأت { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا . . . } الآيتين فإذا فعلوا ذلك لم يصبر صاحب القرآن ، ثم قرأت ( وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ) ( البقرة الآية 206 ) { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله } قال : صدقت والذي نفسي بيده .

وأخرج الحاكم عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : بينما ابن عباس مع عمر وهو آخذ بيده فقال عمر : أرى القرآن قد ظهر في الناس ؟ قلت : ما أحب ذلك يا أمير المؤمنين . قال : لم ؟ قلت : لأنهم متى يقرؤوا ينفروا ، ومتى نفروا يختلفوا ، ومتى ما يختلفوا يضرب بعضهم رقاب بعض . فقال عمر : إن كنت لأكتمها الناس .

وأخرج ابن جرير عن ابن زيد أن ابن عباس قرأ هذه الآية عند عمر بن الخطاب فقال : اقتتل الرجلان فقال له عمر : ماذا ؟ قال : يا أمير المؤمنين أرى ههنا من إذا أمر بتقوى الله أخذته العزة بالإثم ، وأرى من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ، يقوم هذا فيأمر هذا بتقوى الله ، فإذا لم يقبل منه وأخذته العزة بالإثم قال هذا : وأنا أشري نفسي فقاتله ، فاققتل الرجلان فقال عمر : لله درك يا ابن عباس !

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة . أن عمر بن الخطاب كان إذا تلا هذه الآية { ومن الناس من يعجبك قوله } إلى قوله { ومن الناس من يشري نفسه } قال : اقتتل الرجلان .

وأخرج وكيع وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن أبي حاتم والخطيب عن علي بن أبي طالب . أنه قرأ هذه الآية فقال : اقتتلا ورب الكعبة .

وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن صالح أبي خليل قال : سمع عمر إنسانا يقرأ هذه الآية { وإذا قيل له اتق الله } إلى قوله { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله } فاسترجع فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، قام الرجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الحسن قال : أنزلت هذه الآية في المسلم الذي لقي كافرا فقال له : قل لا إله إلا الله ، فإذا قلتها عصمت مني دمك ومالك إلا بحقهما ، فأبى أن يقولها ، فقال المسلم : والله لأشرين نفسي لله فتقدم ، فقاتل حتى قتل .