فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡرِي نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (207)

{ ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله } يشري بمعنى يبيع أي يبيع نفسه في مرضاة الله كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال قتادة : هم المهاجرون والأنصار ، ومثله قوله تعالى { وشروه بثمن بخس } وأصله الاستبدال ومنه قوله { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } والمرضاة الرضا ، قال ابن عباس : نزلت في سرية الرجيع وكانت بعد أحد ، وفي البخاري تمام قصته عن حديث أبي هريرة فإن شئت فارجع إليه .

{ والله رؤوف بالعباد } وجه ذكر الرأفة هنا أنه أوجب عليهم ما أوجبه ليجازيهم ويثيبهم عليه ، فكان ذلك رأفة لهم ولطفا بهم ، ومن رأفته أن جعل النعيم الدائم في الجنة جزاء على العمل القليل المنقطع ، ومن رأفته أنه يقبل توبة عبده وأنه لا يكلف نفسا إلا وسعها ، وأن المصر على الكفر ولو مائة سنة إذا تاب ولو لحظة أسقط عنه عقاب تلك السنين وأعطاه الثواب الدائم .

ومن رأفته أن نفس العباد وأموالهم له ثم أنه يشتري ملكه بملكه فضلا منه ورحمة وإحسانا .

وهذه أربعة أقسام اشتملت عليها تلك الآيات الكريمات أولها راغب في الدنيا فقط ظاهرا وباطنا ، والثاني راغب فيها وفي الآخرة كذلك والثالث راغب في الآخرة وفي الدنيا باطنا والرابع راغب في الآخرة ظاهرا وباطنا معرض عن الدنيا كذلك .