التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡرِي نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (207)

قوله : ( ومن الناس من يشتري نفسه ابتغاء مرضات الله ) نزلت في صهيب بن سنان الرومي . هذا الصحابي العظيم الذي استهان بالمال والشهوة والأرض في سبيل العقيدة . واستهان بالكرامة في المقام في الوطن ليهجر الأهل والصحب والوطن نفسه ؛ كيما تبقى العقيدة التي يعتبرها المؤمن أغلى من كل ما في الدنيا من اعتبارات ، فلا المال ولا الولد ولا الخلان ولا الزوجة ولا العشيرة ولا المنزلة الرفيعة ولا الأوطان ولا غير ذلك يغني عن أعظم وأقدس رباط وتلكم هي عقيدة الإسلام . وهي من أجلها يهجر المرء كل شيء ليؤثر الهجران على المقام في الأوطان ، ويؤثر البؤس والافتقار والموت على الراحة واليسر والحياة والرخاء . وذلك كله من أجل العقيدة .

وذلكم هو صهيب الرومي يتحدث عن قصته مع المشركين لدى هجرته من مكة إلى المدينة : لما أردت الهجرة من مكة إلى النبي ( ص ) قالت لي قريش : يا صهيب قدمت إلينا ولا مال لك وتخرج أنت ومالك ؟ والله لا يكون ذلك أبدا فقلت لهم : أرأيتم إن دفعت إليكم مالي تخلّون عني ؟ قالوا : نعم ، فدفعت إليهم مالي ، فخلوا عني ، فخرجت حتى قدمت المدينة ، فبلغ ذلك النبي ( ص ) ، فقال : " ربح صهيب ربح صهيب " مرتين{[287]} .

وقوله : ( يشري نفسه ) أي يبيعها . وذلك كقوله تعالى : ( وشروه بثمن بخس ) أي باعوه به .

وقوله : ( ابتغاء مرضات الله ) ( ابتغاء ) مفعول لأجله منصوب . مرضات مضاف إليه مجرور . لفظ الجلالة مجرور بالإضافة . و ( مرضات الله ) أي رضوانه .

ويستفاد من الآية العموم . فهي تناسب كل مجاهد في سبيل الله يبيع نفسه لله فداء لدينه وعقيدته ، لا لشيء من أشياء هذه الدنيا الفانية العاجلة ، بل طلبا لرضوان الله سبحانه وهو أقصى ما يرمي إليه المؤمن وأبعد غاية يرومها طيلة مكثه في هذه الدنيا الزائلة . والله جلت قدرته سوف يتولى أمثال أولئك الأبرار المجاهدين الذين باعوا أنفسهم طلبا لرضاه ، وهو سبحانه مجازيهم بفضله وكرمه ورحمته ( والله رؤوف بالعباد ) .


[287]:- أسباب النزول للنيسابوري ص 39.