بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡرِي نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (207)

ثم قال تعالى : { وَمِنَ الناس مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابتغاء مَرْضَاتِ الله } . قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في شأن صهيب بن سنان الرومي ، مولى عبد الله بن جدعان ، وفي نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ياسر أبو عمار بن ياسر ، وسمية أم عمار ، وخباب بن الأرت وغيرهم ؛ أخذهم المشركون فعذبوهم . فأما صهيب فإنه كان شيخاً كبيراً وله مال ومتاع ، فقال لأهل مكة : إني شيخ كبير ، وإني لا أضركم إن كنت معكم أو مع عدوكم ، فأنا أعطيكم مالي ومتاعي وذروني وديني ، أشتريه منكم بمالي . ففعلوا ذلك ، فأعطاهم ماله إلا مقدار راحلته ، وتوجه إلى المدينة ، فلما دخل المدينة لقيه أبو بكر فقال له : ربح البيع يا صهيب . فقال له : وبيعك فلا يخسر . فقال : وما ذلك يا أبا بكر فأخبره بما نزل فيه ففرح بذلك صهيب . وقتل ياسر أبو عمار وأم عمار سمية ، فنزلت هذه الآية في شأن صهيب { وَمِنَ الناس مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابتغاء مَرْضَاةَ الله } ، أي يشري نفسه ودينه . وهذا من أسماء الأضداد ، يقال : شرى واشترى وباع وابتاع . { ابتغاء مَرْضَاة الله } ، أي طلب يشتري نفسه ودينه رضاء الله . { والله رَءوفٌ بالعباد } ، أي رحيم بهم . ثم صارت هذه الآية عامة لجميع الناس ؛ من بذل ماله ليصون به نفسه ودينه ، فهو من أهل هذه الآية .