الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡرِي نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (207)

قوله : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَّشْتَرِي نَفْسَهُ ) الآية [ 205 ] .

أي يبيع نفسه من أجل مرضاة الله ، ونزلت في المهاجرين والأنصار المجاهدين( {[6671]} ) منهم( {[6672]} ) .

وقال عكرمة : " نزلت في صهيب بن سنان( {[6673]} ) وأبي ذر الغفاري( {[6674]} ) وهو جندب ابن السكن خرجواهاجرين وطلبهم أهلوهم( {[6675]} ) ، فأما أبو ذر( {[6676]} ) فانفلت منهم ، وأما صهيب فأخذه أهله ، وافتدى بأهله وماله من مولاه وكان مملوكاً لزيد بن جدعان . وروي أنه كان يعرف بالرومي( {[6677]} ) وأصله من العرب ، وإنما سمي بذلك لأنه سبي( {[6678]} ) وهو صغير( {[6679]} ) ، فسار( {[6680]} ) إلى الشام ، فتغير لسانه ثم صار مملوكاً لزيد بن جدعان ، فلما أمر النبي [ عليه السلام ]( {[6681]} ) بالهجرة آمن وافتدى من مولاه بماله كله ، وخلى سبيله/ ، فخرجت بنو تميم في طلبه ، فلما أدركوه أخذ قوسه وخوفهم من قبله ، وتواعدهم( {[6682]} ) ، فخافوا رميه( {[6683]} ) ونبله وكان رامياً مجوداً( {[6684]} ) فرجعوا وتركوه ، فلما وصل المدينة قال( {[6685]} ) له عمر : " ربح بيعك لا تقيل ولا تقال " . وشهد بدراً( {[6686]} ) ، ففيه نزلت ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَّشْتَرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ )( {[6687]} ) الآية( {[6688]} ) . فيشري على هذا القول بمعنى يشتري ، وعلى القول الأول( {[6689]} ) بمعنى " يبيع " .

وقال الربيع : " نزلت في رجل منع الخروج إلى النبي [ صلى الله عليه وسلم ]( {[6690]} ) فافتدى منهم بداره وماله ، وخلوه فخرج إلى النبي عليه السلام( {[6691]} ) فلقيه عمر في رجال فقال : ربح بيعك ، قال( {[6692]} ) : وبيعك ، فلا خَسِر ، فما ذاك( {[6693]} ) ؟ قال له : أنزل فيك كذا وكذا " ( {[6694]} ) .

وقيل : نزلت الآية في رجل مسلم حمل على المشركين ، بسيفه غضباً لله( {[6695]} ) إذ سمع الكفر به من رجل من المشركين فقاتل( {[6696]} ) حتى قتل( {[6697]} ) .

فيشري( {[6698]} ) على هذا بمعنى/يبيع( {[6699]} ) .

وقيل : نزلت في رجل مسلم قال لمشرك : قل( {[6700]} ) : لا إله إلا الله . فأبى أن يقولها ، فقال المسلم : والله لأشرين نفسي من الله " ، أي لأَبِيعَنَّهَا( {[6701]} ) ، ثم تقدم فقاتل حتى قتل رحمه الله( {[6702]} ) .

وقال ابن المسيب : " أقبل( {[6703]} ) صهيب مهاجراً فاتَّبعه نفر من المشركين فنزل عن راحلته وانتشر( {[6704]} ) ما في كنانته( {[6705]} ) ، وقال : يا معشر قريش ، لقد علمتم أني من أرماكم رجلاً وأَيْمُ الله ، لا تصلون إلي حتى أرمي بما في( {[6706]} ) كنانتي ، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء ، ثم افعلوا ما شئتم . فعاهدوه على أن يدلهم على بيته وماله بمكة ويدعوه ففعل( {[6707]} ) ، وقدم على النبي [ عليه السلام ]( {[6708]} ) فقال له : أبا يحيى( {[6709]} ) ، ربح البيع ، فأنزل الله ( وَمِنَ النَّاسِ )( {[6710]} ) الآية( {[6711]} ) .

وقيل : إنه عني بها كل من باع نفسه من الله ، روي ذلك عن عمر( {[6712]} ) وغيره . وهو أولى بظاهر الآية عند الطبري( {[6713]} ) وغيره .


[6671]:- في ع3: المهاجرين، وهو تحريف.
[6672]:- وهو قول قتادة في جامع البيان 4/247، وتفسير القرطبي 3/21.
[6673]:- هو صهيب بن سنان بن عبد عمرو، يكنى أبا يحيى، مولى عبد الله بن جدعان (ت38هـ). انظر: طبقات ابن خياط 19، وسيرة ابن هشام 1/279-280.
[6674]:- في ع3: الغغار: وهو جندب بن جنادة بن السكن، صحابي مشهور بالزهد، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه ابن عباس وأنس (ت62هـ) بالربذة. انظر: طبقات ابن خياط 31-32، والإصابة 4/62 (ط. بيروت)، وتقريب التهذيب 2/420، والخلاصة 3/215.
[6675]:- سقط من ع3، وفي ع2: أهلهم.
[6676]:- في ق: در، وهو تصحيف.
[6677]:- في ق: بالروم. وفي ع3: بالرمي.
[6678]:- في ق: سمى.
[6679]:- قوله: "لزيد بن جدعان...وهو" ساقط من ع3.
[6680]:- في ع1، ع2، ع3: فصار.
[6681]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[6682]:- في ع3: فتوعدهم.
[6683]:- في ق: رميته.
[6684]:- في ع2: مجود. وهو خطأ.
[6685]:- في ع2، ع3: فقال.
[6686]:- في ع2: بدر.
[6687]:- في ع2: ابتغاء مرضاة الله.
[6688]:- انظر: جامع البيان 4/248، ولباب النقول 41.
[6689]:- سقط من ع2.
[6690]:- في ع2: عليه السلام.
[6691]:- قوله: "فافتدى منهم..عليه السلام" ساقط من ع2، ع3.
[6692]:- سقط من ع3.
[6693]:- في ع2: ذلك.
[6694]:- انظر: جامع البيان 4/248، وتفسير ابن كثير 1/247.
[6695]:- في ع3: إذا.
[6696]:- في ع2، ع3: فقال.
[6697]:- انظر: جامع البيان 4/250، وفي ع3: يقتل.
[6698]:- في ع3: فيشتري. وهو خطأ.
[6699]:- انظر: هذا التوجيه في معاني الأخفش 1/166، وتفسير القرطبي 3/21، ومفردات الراغب 267.
[6700]:- سقط من ق.
[6701]:- في ع3: لأبيعها.
[6702]:- وهذا قول الحسن في أسباب النزول 59، والدر المنثور 1/578-579.
[6703]:- في ق: أقتل، وهو تصحيف.
[6704]:- في ع1: انتشر، وهو تحريف.
[6705]:- في ح: كنانته من.
[6706]:- قوله: "في كنانته...أرمي بما" ساقط من ع3.
[6707]:- في ع2، ع3: وفعل.
[6708]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[6709]:- في ع3: أبي. وهو تحريف.
[6710]:- في ع3: الناس من.
[6711]:- انظر: أسباب النزول 59، لباب النقول 40، وتفسير القرطبي 3/20.
[6712]:- في ق: ابن عمرو. وانظر هذا القول في أسباب النزول 60، والدر المنثور 1/578.
[6713]:- انظر: جامع البيان 4/251.