{ يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طيبات } أي جياد أو حلال/ { مَّا كَسَبْتُم } أي الذي كسبتموه أو كسبكم أي مكسوبكم من النقد وعروض التجارة والمواشي . وأخرج ابن جرير عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال في { طيبات مَا كَسَبْتُمْ } : من الذهب والفضة وفي قوله تعالى : { وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مّنَ الأرض } يعني من الحب والتمر وكل شيء عليه زكاة ، والجملة لبيان حال ما ينفق منه إثر بيان أصل الإنفاق وكيفيته وأعاد ( من ) في المعطوف لأن كلاً من المتعاطفين نوع مستقل ، أو للتأكيد ولعله أولى وترك ذكر الطيبات لعلمه مما قبله ، وقيل : لعلمه مما بعد ، وبعض جعل ( ما ) عبارة عن ذلك .
{ وَلاَ تَيَمَّمُواْ } أي تقصدوا وأصله تتيمموا بتاءين فحذفت إحداهما تخفيفاً إما الأولى وإما الثانية على الخلاف ، وقرأ عبد الله ( ولا تأمموا ) ، وابن عباس ( تيمموا ) بضم التاء والكل بمعنى { الخبيث } أي الرديء وهو كالطيب من الصفات الغالبة التي لا تذكر موصوفاتها { مِنْهُ تُنفِقُونَ } الضمير المجرور للخبيث وهو متعلق بتنفقون والتقديم للتخصيص ، والجملة حال مقدرة من فاعل { تَيَمَّمُواْ } أي لا تقدصدوا الخبيث قاصرين الإنفاق عليه ، أو من الخبيث أي مختصاً به الإنفاق ، وأياً ما كان لا يرد أنه يقتضي أن يكون النهي عن الخبيث الصرف فقط مع أن المخلوط أيضاً كذلك لأن التخصيص لتوبيخهم بما كانوا يتعاطون من إنفاق الخبيث خاصة . فعن عبيدة السلماني قال : سألت علياً كرم الله تعالى وجهه عن هذه الآية فقال : نزلت في الزكاة المفروضة كان الرجل يعمد إلى التمر فيصرمه فيعزل الجيد ناحية فإذا جاء صاحب الصدقة أعطاه من الردىء فقال الله تعالى : { وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث مِنْهُ تُنفِقُونَ } وقيل : متعلق بمحذوف وقع حالاً من ( الخبيث ) ، والضمير راجع إلى المال الذي في ضمن القسمين ، أو لما أخرجنا وتخصيصه بذلك لأن الرداءة فيه أكثر وكذا الحرمة لتفاوت أصنافه ومجالبه ، و{ تُنفِقُونَ } حال من الفاعل المذكور أي ولا تقصدوا الخبيث كائناً من المال أو مما أخرجنا لكم منفقين إياه وقوله تعالى : { وَلَسْتُم بآخذيه } حال على كل حال من ضمير { تُنفِقُونَ } أي والحال أنكم لستم بآخذيه في وقت من الأوقات أو بوجه من الوجوه { إِلا أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ } إلا وقت إغماضكم أو إلا بإغماضكم فيه والإغماض كالغمض إطباق الجفن لما يعرض من النوم ، وقد استعير هنا كما قال الراغب للتغافل والتساهل ، وقيل : إنه كناية عن ذلك ولا يخلو عن تساهل وتغافل ، وذكر أبو البقاء أنه يستعمل متعدياً وهو الأكثر ولازماً مثل أغضى عن كذا ، والآية محتملة للأمرين ، وعلى الأول : يكون المفعول محذوفاً أي أبصاركم ، والجمهور على ضم التاء وإسكان العين وكسر الميم ، وقرأ الزهري تغمضوا بتشديد الميم ، وعنه أيضاً تغمضوا بضم الميم وكسرها مع فتح التاء ، وقرأ قتادة تغمضوا على البناء للمفعول أي تحملوا على الإغماض أي توجدوا مغمضين وكلا المعنيين مما أثبته الحفاظ ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ، والمنسبك من { إن } والفعل على كل تقدير في موضع الجر كما أشرنا إليه ، وجوز أبو البقاء أن يكون في موضع النصب على الحالية ، وسيبويه لا يجوز أن تقع { إن } وما في حيزها حالاً ، وزعم الفراء { إن } هنا شرطية لأن معناه إن أغمضتم أخذتم ، وينبغي أن يغمض طرف القبول عنه ، ومن البعيد في الآية ما قيل : إن الكلام تم عند قوله تعالى : { وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث } ثم استؤنف فقيل على طريقة التوبيخ والتقريع : { مِنْهُ تُنفِقُونَ } والحال أنكم لا تأخذونه إلا إن أغمضتم فيه ومآله الاستفهام الإنكاري فكأنه قيل : أمنه تنفقون الخ ، وهو على بعده خلاف التفاسير المأثورة عن السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم .
/ { واعلموا أَنَّ الله غَنِيٌّ } عن نفقاتكم وإنما أمركم بها لانتفاعكم ، وفي الأمر بأن يعلموا ذلك مع ظهور علمهم به توبيخ لهم على ما يصنعون من إعطاء الخبيث وإيذان بأن ذلك من آثار الجهل بشأنه عن شأنه { حَمِيدٌ } أي مستحق للحمد على نعمه ، ومن جملة الحمد اللائق بجلاله تحري إنفاق الطيب مما أنعم به ، وقيل : حامد بقبول الجيد والإثابة عليه ، واحتج بالآية على وجوب زكاة قليل ما تخرجه الأرض وكثيره حتى البقل ، واستدل بها على أن من زرع في أرض اكتراها فالزكاة عليه لا على رب الأرض لأن { أَخْرَجْنَا لَكُم } يقتضي كونه على الزارع وعلى أن صاحب الحق لا يجبر على أخذ المعيب بل له الرد وأخذ سليم بدله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.