يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد267
( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ) أي من جيد ما كسبتم وخياره كذا قال الجمهور ، وقال جماعة إن معنى الطيبات هنا الحلال ، ولا مانع من اعتبار الأمرين جميعا لأن جيد الكسب ومختار ه إنما يطلق على الحلال عند أهل الشرع ، وإن أطلقه أهل اللغة على ما هو جيد في نفسه حلالا كان أو حراما ، فالحقيقة الشرعية مقدمة على اللغوية .
قال علي ابن ابي طالب : ما كسبتم من الذهب والفضة ، وقال مجاهد : من التجارة ، وقيل المواشي قيل وفيه دليل على إباحة الكسب ، وفي الحديث عن المقدام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : " ما أكل أحد طعاما خيرا من أن يأكل من عمل يده " أخرجه البخاري .
واختلف في المراد بالانفاق فقيل الزكاة المفروضة لأن الأمر للوجوب ، وقيل صدقة التطوع وقيل الفرض والنفل جميعا .
( ومما ) أي من طيبات ما ( أخرجنا لكم من الأرض ) وحذف لدلالة ما قبله عليه وهي النباتات والمعادن والركاز ، وقال علي : يعني من الحب والثمر وكل شئ عليه زكاة ، وقال مجاهد من الثمار .
وظاهر الآية يدل على وجوب الزكاة في كل ما خرج من الأرض ، لكن الجمهور خصصوا هذا العموم ، وخصه الشافعي بما يزرعه الآدميون ويقتات اختيارا وقد بلغ نصابا وبثمر النخل وثمر العنب ، وأبقاه أبو حنيفة على عمومه فأوجبها في كل ما يقصد من نبات الأرض كالفواكه والبقول والخضراوات كالبطيخ والقثاء والخيار ، وأوجب في ذلك العشر قليلا كان أو كثيرا ، والأول أولى وتفصيل ذلك في كتب الفروع .
( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ) أي لا تقصدوا المال الردئ ، وفي الآية الأمر بانفاق الطيب والنهي عن انفاق الخبيث .
وقد ذهب جماعة من السلف إلى أن الآية في الصدقة المفروضة ، وذهب آخرون إلى أنها تعم صدقة الفرض والتطوع وهو الظاهر ، وسيأتي من الأدلة ما يؤيد هذا {[277]} .
وتقديم الظرف يفيد التخصيص أي لا تخصوا الخبيث بالانفاق أي لا تخصوا الخبيث بالإنفاق أي لا تقصدوا المال الخبيث مخصصين الانفاق به قاصرين له عليه .
أخرج الترمذي وصححه وابن ماجة وغيرهما عن البراء بن عازب قال : نزلت فينا معشر الانصار ، كنا أصحاب نخل وكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين فيعلقه في المسجد ، وكان أهل الصفة ليس لهم طعام فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصاه فيسقط البسر ، والتمر فيأكل ، وكان ناس ممن لا يرغب في الخير يأتي بالقنو فيه الشيص والحشف ، وبالقنو قد انكسر فيعلقه فانزل الله هذه الآية ، وفي الباب أحاديث .
و عن علي قال : نزلت هذه الآية في الزكاة المفروضة ، وعن ابن عباس قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشترون الطعام الرخيص ويتصدقون فأنزل الله هذه الآية . {[278]}
( ولستم بآخذيه ) أي والحال أنكم لا تأخذونه في معاملاتكم في وقت من الأوقات ، هكذا بيّن معناه الجمهور ، وقيل معناه ولستم بآخذيه لو وجدتموه في السوق يباع ( إلا أن ) أي بأن ( تغمضوا فيه ) هو من أغمض الرجل في أمر كذا إذا تساهل ورضي ببعض حقه وتجاوز وغض بصره عنه .
وقرئ بفتح التاء وكسر الميم مخففا ، وقرئ بضم التاء وكسر الميم مشددة ، والمعنى على الثانية إلا أن تهضموا سومها من البائع منكم ، وعلى الثالثة إلا أن تأخذوا بنقصان ، قال ابن عطية : وقراءة الجمهور وهي الأولى تخرج على التجاوز أو على تغميض العين لأن أغمض بمنزلة غمض ، أو على أن " إلا " بمعنى حتى أي حتى تاتوا غامضا من التأويل والنظر في أخذ ذلك ، والاغماض يطلق على كل من التساهل في الشي واطباق جفن العين .
وإذا عرفت هذا عرفت أن لا حاجة لدعوى المجاز والكناية التي قالها بعضهم . والمعنى لستم بآخذيه في حال من الأحوال إلا في حال الاغماض .
( واعلموا أن الله غني ) عن صدقاتكم لم يأمركم بالتصدق لعوز واحتياج إليها بل لنفعكم بها واحتياجكم لثوابها فينبغي لكم أن تتحروا فيها الطيب ( حميد ) محمود في أفعاله على كل حال من التعذيب والاثابة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.