وقوله : { وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ . . . }
فُتِحت ( أن ) بعد إلاَّ وهي في مذهب جزاء . وإنما فتحتها لأن إلا قد وقعت عليها بمعنى خفضٍ يصلح . فإذا رأيت ( أن ) في الجزاء قد أصابها معنى خفضٍ أو نصب أو رفع انفتحت . فهذا من ذلك . والمعنى - والله أعلم - ولستم بآخذيه إلا على إغماض ، أو بإغماض ، أو عن إغماضٍ ، صفة غير معلومة . ويدلك على أنه جزاء أنك تجد المعنى : أو أغمضتم بعض الإغماض أخذتموه . ومثله قوله : { إلا أن يخافا ألاَّ يقِيما حدودَ الله } ومثله { إلاَّ أن يعفون } هذا كلُّه جزاء ، وقوله { ولا تقولنَّ لِشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } ألا ترى أن المعنى : لا تقُلْ إني فاعل إلا ومعها إن شاء الله ؛ فلما قطعتْها ( إلا ) عن معنى الابتداء ، مع ما فيها من نيَّة الخافض فُتحت . ولو لم تكن فيها ( إلاَّ ) ترِكتْ على كسرتها ؛ من ذلك أن تقول : أحسِنْ إن قُبِل منك . فإن أدخلت ( إلاَّ ) قلت : أحسن إلا ألاَّ يقبل منك . فمثله قوله { وأن تعفوا أقربُ للتقوى } ، { وأن تصوموا خير لكم } هو جزاء ، المعنى : إن تصوموا فهو خير لكم . فلما أنْ صارت ( أن ) مرفوعة ب ( خير ) صار لها ما يُرافِعها إن فتحت وخرجت من حدّ الجزاء . والناصب كذلك .
ومثله من الجزاء الذي إذا وقع عليه خافض أو رافع أو ناصب ذهب عنه الجزم قولك : اضربه مَنْ كان ، ولا آتيك ما عشت . فمَن وما في موضع جزاء ، والفعل فيهما مرفوع في المعنى ؛ لأنَّ كان والفعل الذي قبله قد وقعا على ( مَن ) و ( ما ) فتغيَّر عن الجزم ولم يخرج من تأويل الجزاء ؛ قال الشاعر :
فلستُ مقاتِلا أبداً قُرَيشا *** مُصيبا رَغْم ذلك مَنْ أصابا
في تأويل رفع لوقوع مُصيب على مَنْ .
ومِثله قول الله عزَّ وجلَّ { وللّهِ على الناسِ حِجّ البيتِ منِ استطاع } إن جعلت ( مَنْ ) مردودة على خفض ( الناس ) فهو مِن هذا ، و( استطاع ) في موضع رفع ، وإن نويت الاستئناف بمَنْ كانت جزاء ، وكان الفعل بعدها جزما ، واكتفيت بما جاء قبله من جوابه . وكذلك تقول في الكلام : أيُّهم يقم فاضرب ، فإن قدّمْتَ الضرب فأوقعته على أي قلت اضرب أيَّهم يقوم ؛ قال بعض العرب : فأيُّهم ما أخذها ركب على أيهم يريد . ومنه قول الشاعر :
فإني لآتيكم تشَكُّرَ ما مضى *** من الأمر واستجابَ ما كان في غد
لأنه لا يجوز لو لم يكن جزاء أن تقول : كان في غد ؛ لأن ( كان ) إنما خُلِقتْ للماضي إلاَّ في الجزاء فإنها تصلح للمستقبل . كأنه قال : استيجاب أي شيء كان في غد .
ومِثل إنْ في الجزاء في انصرافها عن الكسر إلى الفتح إذا أصابها رافع قول العرب : ( قلت إنك قائم ) فإنّ مكسورة بعد القول في كل تصرّفه . فإذا وضعت مكان القول شيئا في معناه مما قد يحدِث خفضا أو رفعا أو نصبا فتحت أنّ ، فقلت : ناديت أنك قائم ، ودعوت ، وصحت وهتفت . وذلك أنك تقول : ناديت زيدا ، ودعوت زيدا ، وناديت بزيد ، ( وهتفت بزيد ) فتجد هذه الحروف تنفرد بزيد وحده ؛ والقول لا يصلح فيه أن تقول : قلت زيدا ، ولا قلت بزيد . فنفذت الحكاية في القول ولم تنفُذ في النداء ؛ لاكتفائه بالأسماء . إلا أن يُضطرَّ شاعر إلى كسر إنَّ في النداء وأشباهه ، فيجوز له ؛ كقوله :
إني سأبدي لك فيما أُبدِي *** لي شَجَنان شَجَنٌ بنجد
لو ظهرت إنّ في هذا الموضع لكان الوجه فتحها . وفي القياس أن تكسر ؛ لأن رفع الشجنين دليل على إرادة القول ، ويلزم مِن فتح أنّ لو ظهرت أن تقول : لي شجنين شجنا بنجد .
فإذا رأيت القول قد وقع على شيء في المعنى كانت أنّ مفتوحة . من ذلك أن تقول : قلت لك ما قلت أنك ظالم ؛ لأنّ ما في موضع نصب . وكذلك قلت : زيد صالح أنه صالح ؛ لأن قولك ( قلت زيد قائم ) في موضع نصب . فلو أردت أنْ تكون أنّ مردودة على الكلمة التي قبلها كَسَرتَ فقلت : قلت ما قلت : إن أباك قائم ، ( وهي الكلمة التي قبلها ) وإذا فتحت فهي سواها . قول الله تبارك وتعالى { فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا } وإنا ، قد قرئ بهما . فمن فتح نوى أن يجعل أنّ في موضع خفض ، ويجعلها تفسيراً للطعام وسببه ؛ كأنه قال : إلى صبّنا الماء وإنباتنا ما أنبتنا . ومن كسر نوى الانقطاع من النظر عن إنا ؛ كأنه قال : فلينظر الإنسان إلى طعامه ، ثم أخبر بالاستئناف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.