محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا كَسَبۡتُمۡ وَمِمَّآ أَخۡرَجۡنَا لَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِۖ وَلَا تَيَمَّمُواْ ٱلۡخَبِيثَ مِنۡهُ تُنفِقُونَ وَلَسۡتُم بِـَٔاخِذِيهِ إِلَّآ أَن تُغۡمِضُواْ فِيهِۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (267)

{ يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن اللّه غنيّ حميد 267 } .

{ يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم } هذا بيان لحال ما ينفق منه ، إِثْرَ بيان أصل الإنفاق وكيفيته . أي أنفقوا من جياد ما كسبتم لقوله تعالى : { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبّون } {[1432]} . فمقتضى الإيمان الإنفاقُ من الجيد . لاسيما ما يطلب به رضا الله وتثبيت النفس . وفي الأمر إشعار بأنه إنما يمثل بالزرع المنبت سبع سنابل ، أو بالجنة بربوة ، ما أنفق من الجيد { ومما } أي ومن طيبات ما { أخرجنا لكم من الأرض } من الحبوب والثمار { ولا تيمّموا } أي لا تقصدوا { الخبيث } أي الرديء من أموالكم ، { منه تنفقون ولستم بآخذيه } أي بقابليه ( يعني الرديء ) إذا أهدي إليكم { إلا أن تغمضوا فيه } أي : إلا بأن تتسامحوا في أخذه وتترخصوا فيه . من قولك : أغمض فلان عن بعض حقه إذا غض بصره . ويقال للبائع : أغمضْ . أي : لا تستقص كأنك لا تبصر . كذا في ( الكشاف ) .

قال الرازيّ : الإغماض في اللغة غض البصر وإطباق جفن على جفن . والمراد ههنا المساهلة ، وذلك لأن الإنسان إذا رأى ما يكره أغمض عينيه لئلا يرى ذلك . ثم / كثر ذلك حتى جعل كل تجاوز ومساهلة في البيع وغيره إغماضا . فقوله : { ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } . يعني لو أهدي إليكم مثل هذه الأشياء ، لما أخذتموها إلا على استحياء وإغماض . فكيف ترضون لي ما لا ترضونه لأنفسكم ؟ { واعلموا أن الله غنيّ } عن إنفاقكم وإنما يأمركم به لمنفعتكم { حميد } يجازي المحسن أفضل الجزاء . وفي الأمر بأن يعلموا ذلك ، مع ظهور علمهم به ، توبيخ على إعطاء الخبيث وإيذان بأن ذلك من آثار الجهل بشأنه تعالى .


[1432]:[3/ آل عمران/ 92] ونصها: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبّون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم 92}.