جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا كَسَبۡتُمۡ وَمِمَّآ أَخۡرَجۡنَا لَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِۖ وَلَا تَيَمَّمُواْ ٱلۡخَبِيثَ مِنۡهُ تُنفِقُونَ وَلَسۡتُم بِـَٔاخِذِيهِ إِلَّآ أَن تُغۡمِضُواْ فِيهِۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (267)

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ } : تصدقوا ، { مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ {[531]} } : حلاله وخياره { وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ } ، أي : من طيبات ما أخرجنا من الحبوب والثمار والمعادن ، { وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ } : لا تقصدوا الرديء {[532]} ، { مِنْهُ تُنفِقُونَ {[533]} } ، حال من الفاعل ، أو من المفعول ، ومنه متعلق به ، والضمير للخبيث ، أي تخصونه بالإنفاق ، أو منه حال من الخبيث ، والضمير للمال ، كانت {[534]} الأنصار يعلقون أقناء البسر على حبل في مسجد المدينة للفقراء ، فتعمد الرجل منهم إلى الحشف ، فأدخله مع أقناء البسر ، فأنزل الله فيمن فعله " ولا تيمموا " إلخ ، { وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ } ، أي : والحال أنكم لا تأخذونه في حقوقكم ، إلا {[535]} بإغماض بصر ومساهلة ، فلا تجوزوا في حق الله ما لا تجوزون في حقوقكم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما {[536]} معناه : لو كان لكم على أحد حق ، فجاء بحق دون حقكم ، لم تأخذوه بحساب الجيد حتى تنقصوه { وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ } ، عن إنفاقكم { حَمِيدٌ } ، بقبوله وإثباته .


[531]:قيل: فيه دليل على إباحة الكسب، وفي الحديث عن المقدام "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أكل أحد طعاما، خيراً من أن يأكل من عمل يده"، أخرجه البخاري/12 فتح. [وفي "البيوع"، باب: كسب الرجل وعمله بيده، (2072)
[532]:روى الإمام أحمد أنه قال عليه الصلاة والسلام: "لا يكسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك فيه، ولا يتصدق به فيتقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار، إن الله لا يمحو السيئ بالسيء، ولكن يمحو السيء بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث"/12 منه. [أخرجه أحمد (1/387) وضعف سنده العلامة أحمد شاكر في تعليقه على المسند (3672)، وكذا الشيخ الألباني كما في ضعيف الجامع (1625)
[533]:أي: لا تقصدوا المال الرديء، وفي الآية الأمر بإنفاق الطيب والنهي عن إنفاق الخبيث، وقد ذهب جماعة من السلف إلى أن الآية في الصدقة المفروضة، وذهب آخرون إلى أنها تعم الفرض والتطوع، وهو الظاهر/12 فتح
[534]:رواه ابن جرير وابن ماجة وابن مردويه والترمذي والحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط مسلم/12. [وهو كما قال، وانظر صحيح سنن الترمذي (2389)
[535]:إشارة إلى أنه حذف الجار، وهو متعلق بآخذيه، على معنى: لا تأخذونه بوجه من الوجوه إلا بالإغماض والتسامح/12 منه
[536]:فعلى هذا معناه: إلا أن تغوروا فيه وتفتشوا عن حاله، يقال: مسألة غامضة، أي: غير واضحة المعنى تطب الغور والتأمل/12 منه