الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا كَسَبۡتُمۡ وَمِمَّآ أَخۡرَجۡنَا لَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِۖ وَلَا تَيَمَّمُواْ ٱلۡخَبِيثَ مِنۡهُ تُنفِقُونَ وَلَسۡتُم بِـَٔاخِذِيهِ إِلَّآ أَن تُغۡمِضُواْ فِيهِۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (267)

{ مِن طيبات مَا كَسَبْتُمْ } من جياد مكسوباتكم { وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم } من الحب والثمر والمعادن وغيرها .

فإن قلت : فهلا قيل : وما أخرجنا لكم ، عطفاً على { مَّا كَسَبْتُم } حتى يشتمل الطيب على المكسوب والمخرج من الأرض ؟ قلت معناه : ومن طيبات ما أخرجنا لكم إلا أنه حذف لذكر الطيبات { وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث } ولا تقصدوا المال الرديء { مِنْهُ تُنفِقُونَ } تخصونه بالإنفاق ، وهو في محل الحال . وقرأ عبد الله : «ولا تأمموا » ، وقرأ ابن عباس : «ولا تيمموا » ، بضم التاء . ويممه وتيممه وتأممه ، سواء في معنى قصده { وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ } وحالكم أنكم لا تأخذونه في حقوقكم { إلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ } إلا بأن تتسامحوا في أخذه وتترخصوا فيه من قولك : أغمض فلان عن بعض حقه ، إذا غضّ بصره . ويقال للبائع : أغمض ، أي لا تستقص ، كأنك لا تبصر . وقال الطِّرِمَّاح :

لَمْ يَفُتْنَا بِالْوِتْرِ قَوْمٌ *** وَلِلضَّيْمِ رِجَالٌ يَرْضَوْنَ بالإِغمَاضِ

وقرأ الزهريّ : «تغمضوا » . وأغمض وغمض بمعنى . وعنه : «تغمِضُوا » ، بضم الميم وكسرها . من غمض يغمض ويغمض . وقرأ قتادة : «تُغِمَضُوا » ، على البناء للمفعول ، بمعنى إلا أن تدخلوا فيه وتجذبوا إليه . وقيل : إلا أن توجدوا مغمضين . وعن الحسن رضي الله عنه : لو وجدتموه في السوق يباع ما أخذتموه حتى يهضم لكم من ثمنه . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : كانوا يتصدّقون بحشف التمر وشراره فنهوا عنه .