{ وَمَثَلُ الذين يُنفِقُونَ أموالهم ابتغاء مَرْضَاتَ الله } أي لطلب رضاه أو طالبين له . { وَتَثْبِيتًا مّنْ أَنفُسِهِمْ } أي ولتثبيت أو مثبتين بعض أنفسهم على الإيمان فمن تبعيضية كما في قولهم : هزّ من/ عطفيه وحرك من نشاطه فإن للنفس قوى بعضها مبدأ بذل المال ، وبعضها مبدأ بذل الروح فمن سخر قوة بذل المال لوجه الله تعالى فقد ثبت بعض نفسه ، ومن سخر قوة بذل المال وقوة بذل الروح فقد ثبت كل نفس ، وقد يجعل مفعول ( تثبيتاً ) محذوفاً أي تثبيتاً للإسلام وتحقيقاً للجزاء من أصل أنفسهم وقلوبهم فمن ابتدائية كما في قوله تعالى : { حَسَدًا مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } [ البقرة : 109 ] ويحتمل أن يكون المعنى : وتثبيتاً من أنفسهم عند المؤمنين أنها صادقة الإيمان مخلصة فيه ، ويعضده قراءة مجاهد ( وتبييناً من أنفسهم ) ، وجوز أن تكون { مِنْ } بمعنى اللام والمعنى توطيناً لأنفسهم على طاعة الله تعالى وإلى ذلك ذهب أبو علي الجبائي ، وليس بالبعيد وفيه تنبيه على أن حكمة الإنفاق للمنفق تزكية النفس عن البخل وحب المال الذي هو الداء العضال والرأس لكل خطيئة .
{ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ } أي بستان بنشز من الأرض ، والمراد تشبيه نفقة هؤلاء في الزكاء بهذه الجنة ، واعتبر كونها في ربوة لأن أشجار الربى تكون أحسن منظراً وأزكى ثمراً للطافة هوائها وعدم كثافته بركوده . وقرأ ابن عامر وعاصم بربوة بالفتح ، والباقون بالضم ، وابن عباس بالكسر ، وقرئ رباوة وكلها لغات ، وقرئ كمثل حبة بالحاء والباء { أَصَابَهَا وَابِلٌ } مطر شديد { فَأَتَتْ } أي أعطت صاحبها أو الناس ونسبة الإيتاء إليها مجاز { أُكُلُهَا } بالضم الشيء المأكول والمراد ثمرها وأضيف إليها لأنها محله أو سببه ، وقرأ أبو عمرو وابن كثير ونافع بسكون الكاف تخفيفاً { ضِعْفَيْنِ } أي ضعفاً بعد ضعف فالتثنية للتكثير ، أو مثلي ما كانت تثمر في سائر الأوقات بسبب ما أصابها من الوابل ، أو أربعة أمثاله بناءاً على الخلاف في أن الضعف هل هو المثل أو المثلان ، وقيل : المراد تأتي أكلها مرتين في سنة واحدة كما قيل في قوله تعالى : { تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ } [ إبراهيم : 25 ] ونصبه على الحال من أكلها أي مضاعفاً { فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ } أي فيصيبها ، أو فالذي يصيبها طل أو فطل يكفيها ، والمراد أن خيرها لا يخلف على كل حال لجودتها وكرم منبتها ولطافة هوائها والطل الرذاذ من المطر وهو اللين منه .
وحاصل هذا التشبيه أن نفقات هؤلاء زاكية عند الله تعالى لا تضيع بحال وإن كانت تتفاوت بحسب تفاوت ما يقارنها من الإخلاص والتعب وحب المال والإيصال إلى الأحوج التقي وغير ذلك ، فهناك تشبيه حال النفقة النامية لابتغاء مرضاة الله تعالى الزاكية عن الأدناس ؛ لأنها للتثبيت الناشئ عن ينبوع الصدق والإخلاص بحال جنة نامية زاكية بسبب الربوة وأحد الأمرين الوابل ، والطل ، والجامع النمو المقرون بالزكاء على الوجه الأتم ، وهذا من التشبيه المركب العقلي ، ولك أن تعتبر تشبيه حال أولئك عند الله تعالى بالجنة على الربوة ونفقتهم القليلة والكثيرة بالوابل والطل ، فكما أن كل واحد من المطرين يضعف أكل تلك الجنة فكذلك نفقتهم جلت أو قلت بعد أن يطلب بها وجه الله تعالى زاكية زائدة في زلفاهم وحسن حالهم عند ربهم جل شأنه كذا قيل : وهو محتمل لأن يكون التشبيه حينئذٍ من المفرق ويحتمل أن يكون من المركب والكلام مساق للإرشاد إلى انتزاع وجه الشبه وطريق التركيب ، والفرق إذ ذاك بأن الحال للنفقة في الأول وللمنفق في الثاني .
والحاصل أن حالهم في إنتاج القل والكثر منهم الأضعاف لأجورهم كحال الجنة في إنتاج الوابل والطل الواصلين إليها الإضعاف لأثمارها ، واختار بعضهم الأول ، وأبى آخرون الثاني فافهم { والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فيجازي كلاً من المخلص والمرائي بما هو أعلم به ، ففي الجملة ترغيب للأوّل ، وترهيب للثاني مع ما فيها من الإشارة/ إلى الحط على الأخير حيث قصد بعمله رؤية من لا تغني رؤيته من لا تغني رؤيته شيئاً وترك وجه البصير الحقيقي الذي تغني وتفقر رؤيته عز شأنه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.