التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَلَتَجِدَنَّهُمۡ أَحۡرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَوٰةٖ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمۡ لَوۡ يُعَمَّرُ أَلۡفَ سَنَةٖ وَمَا هُوَ بِمُزَحۡزِحِهِۦ مِنَ ٱلۡعَذَابِ أَن يُعَمَّرَۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ} (96)

قوله تعالى : { ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصيرا بما يعملون } ولتجدنهم اللام للتوكيد ، والضمير متصل بالفعل المضارع في محل نصب مفعول به أول وهو يعود على اليهود الذين هم

{ أحرص الناس على حياة } والمفعول الثاني : { أحرص } وأما الواو بعد حياة فهي تحتمل العطف والاستئناف . وفي تقديرنا أن العطف هو الصواب . وعلى هذا يكون المعنى أن اليهود أحرص الناس جميعا على حياة ، وهم كذلك أحرص من الذين أشركوا على حياة . وذلك من باب عطف الخاص على العام . فالخاص المعطوف هم الذين أشركوا ، والعام المعطوف عليه هم الناس .

أما القول الثاني وهو أن الواو تفيد الاستئناف فذلك يعني تمام الكلام عند حياة . وتبعا لذلك فالذين يودّ أحدُهم لو يعمّرُ ألف سنة ، هم الذين أشركوا . والظاهر أن ذلك مخالف للسياق . فإن الصواب أن يكون المراد أي اليهود أشد خلق الله حرصا على حياة . وهم كذلك أشد حرصا حتى من الذين أشركوا ، وهذه حقيقة حال اليهود التي تكشف عنها التجارب والممارسات القولية والعملية التي تكشف عن مدى حرص يهود على حياة . قال الشوكاني في فتح القدير : وتنكير حياة للتحقير . أي أنهم أحرص الناس على أحقر حياة وأقل لبث في الدنيا . فكيف بحياة كثيرة ولبث متطاول ؟ ويرحم الله الأستاذ العلامة سيد قطب ، إذ استطاع ببراعته وقدرته على الاستفادة من المعاني القرآنية أن يوقفنا على لفتة عجيبة تتجلى في قوله : { حياة } وذلك اسم نكرة غير معرفة وتنكير هذا الاسم { حياة } يعطي مدلولا واضحا عن طبيعة يهود في رغبتهم في مجرد العيش والحياة ، كيفما كانت هذه الحياة . يستوي في ذلك أن تكون الحياة كظيظة بالشرور والمفاسد أو عامرة بالصلاح والخير . فلا قيمة لمثل هذه الاعتبارات في تصور يهود ما دامت الحياة جارية وهي مليئة بالرخاء والشهوات . والمهم أن تكون حياة . . . أي حياة !

قوله : { يود احدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر } إن حرص يهود يدفعهم للرغبة اللحاحة في طول الحياة والعيش . فإن أحدهم يتمنى { لو يعمر ألف سنة } لو مصدرية بمعنى أن . أي أن أحدهم يتمنى أن يمتد عمره ألف سنة ، لكن هذا التعمير لا يزحزحه من العذاب . فهو إن عمر ألف سنة أو دون ذلك فإن هذا التعمير لا يغنيه من العذاب شيئا . وقوله : { أن يعمر } بدل من التعمير الذي يشير إليه الضمير ( هو ) وقيل غير ذلك .

قوله : { والله بصير بما يعملون } يصف الله نفسه بأنه عالم بخفايا الأمور فهو سبحانه عالم بالأشياء كلها خبير بها جميعا فلا يندّ عن علمه منها شيء{[99]} .


[99]:- فتح القدير للشوكاني جـ 1 ص 115 وتفسير النسفي جـ 1 ص 63 وفي ظلال القرآن جـ 1 ص 122.