قوله تعالى : { ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصيرا بما يعملون } ولتجدنهم اللام للتوكيد ، والضمير متصل بالفعل المضارع في محل نصب مفعول به أول وهو يعود على اليهود الذين هم
{ أحرص الناس على حياة } والمفعول الثاني : { أحرص } وأما الواو بعد حياة فهي تحتمل العطف والاستئناف . وفي تقديرنا أن العطف هو الصواب . وعلى هذا يكون المعنى أن اليهود أحرص الناس جميعا على حياة ، وهم كذلك أحرص من الذين أشركوا على حياة . وذلك من باب عطف الخاص على العام . فالخاص المعطوف هم الذين أشركوا ، والعام المعطوف عليه هم الناس .
أما القول الثاني وهو أن الواو تفيد الاستئناف فذلك يعني تمام الكلام عند حياة . وتبعا لذلك فالذين يودّ أحدُهم لو يعمّرُ ألف سنة ، هم الذين أشركوا . والظاهر أن ذلك مخالف للسياق . فإن الصواب أن يكون المراد أي اليهود أشد خلق الله حرصا على حياة . وهم كذلك أشد حرصا حتى من الذين أشركوا ، وهذه حقيقة حال اليهود التي تكشف عنها التجارب والممارسات القولية والعملية التي تكشف عن مدى حرص يهود على حياة . قال الشوكاني في فتح القدير : وتنكير حياة للتحقير . أي أنهم أحرص الناس على أحقر حياة وأقل لبث في الدنيا . فكيف بحياة كثيرة ولبث متطاول ؟ ويرحم الله الأستاذ العلامة سيد قطب ، إذ استطاع ببراعته وقدرته على الاستفادة من المعاني القرآنية أن يوقفنا على لفتة عجيبة تتجلى في قوله : { حياة } وذلك اسم نكرة غير معرفة وتنكير هذا الاسم { حياة } يعطي مدلولا واضحا عن طبيعة يهود في رغبتهم في مجرد العيش والحياة ، كيفما كانت هذه الحياة . يستوي في ذلك أن تكون الحياة كظيظة بالشرور والمفاسد أو عامرة بالصلاح والخير . فلا قيمة لمثل هذه الاعتبارات في تصور يهود ما دامت الحياة جارية وهي مليئة بالرخاء والشهوات . والمهم أن تكون حياة . . . أي حياة !
قوله : { يود احدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر } إن حرص يهود يدفعهم للرغبة اللحاحة في طول الحياة والعيش . فإن أحدهم يتمنى { لو يعمر ألف سنة } لو مصدرية بمعنى أن . أي أن أحدهم يتمنى أن يمتد عمره ألف سنة ، لكن هذا التعمير لا يزحزحه من العذاب . فهو إن عمر ألف سنة أو دون ذلك فإن هذا التعمير لا يغنيه من العذاب شيئا . وقوله : { أن يعمر } بدل من التعمير الذي يشير إليه الضمير ( هو ) وقيل غير ذلك .
قوله : { والله بصير بما يعملون } يصف الله نفسه بأنه عالم بخفايا الأمور فهو سبحانه عالم بالأشياء كلها خبير بها جميعا فلا يندّ عن علمه منها شيء{[99]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.