التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمۡ لَهۡوٗا وَلَعِبٗا وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَاۚ فَٱلۡيَوۡمَ نَنسَىٰهُمۡ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوۡمِهِمۡ هَٰذَا وَمَا كَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَجۡحَدُونَ} (51)

{ الذين اتخذوا دينهم لهو ولعبا } ذلك جواب أهل الجنة لأهل النار في سبب منعهم من شراب الجنة وطعامها . وهو كفرهم بالله وبدينه الذي شرعه لهم وأوجبه عليهم فاتخذوه لهوا ولعبا . والأصل في اللهو أنه الترويح عن النفس بما لا تقتضيه الحكمة{[1417]} وهؤلاء الكافرين كانوا لاهين عن دنيهم الذي أنزله الله إليهم ، وقد شغلت قلوبهم وعقولهم بزخارف الدنيا فما قابلوا هذا الدين إلا بالإعراض والسخرية والاستهزاء والتهكم العابث المفضوح .

قوله : { وغرتهم الحياة الدنيا } أي خدعتهم الدنيا بمتاعها وزخارفها وما حوته من عرض سريع زائل فاغتروا بها اغترارا ثناهم عن الاهتمام بالآخرة وما فيها من حساب وجزاء . وذلك هو شأن الدنيا ، تغر أكثر الناس فينشغلون بها انشغالا يطغي على قلوبهم وعقولهم ويلهيهم عن أوجب واجباتهم وهو الإيمان بالله ورسله والدار الآخرة والتزام دينه الذي ارتضاه وشرعه لهم . وأيما انشغال عن ذلك أو اغترار أو انثناء فإن مآله التعس والخسران .

قوله : { فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا } الكاف في { كما } في محل نصب نعت لمصدر محذوف ؛ أي ننساهم نسيانا مثل نسيانهم لقاء هذا اليوم العظيم . وذكر النسيان في حق الرحمن يأتي على سبيل التمثيل . فالله تعالى لا ينس ، إذا قصد النسيان في أصل معناه وهو عدم الذكر . { وما كان ربك نسيا } وقال عز من قائل : { لا يضل ربي ولا ينسى } لكن المقصود بنسيان الله للكافرين هو تركهم في النار عطاشا جياعا معذبين على التأبيد لا يخرجون ، مثلما تركوا دينهم الذي أنزله الله إليهم فأعرضوا عنه إعراضا ولم يستعدوا بالإيمان والطاعة للقاء الله في هذا اليوم المخوف .

قوله : { وما كانوا بآياتنا يجحدون } معطوف على { كما نسوا } أي ننساهم بتركهم في النار كما تركوا العمل في الدنيا للقاء الله في هذا اليوم{[1418]} . وكذلك نتركهم لما كانوا يكذبون بآيات الله وهي حججه وكتبه ودلائله التي يحتج بها النبيون على صدق دعوتهم .


[1417]:المصباح المنير جـ 2 ص 223.
[1418]:البيان لابن الأنباير جـ 1 ص 364.