روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمۡ لَهۡوٗا وَلَعِبٗا وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَاۚ فَٱلۡيَوۡمَ نَنسَىٰهُمۡ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوۡمِهِمۡ هَٰذَا وَمَا كَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَجۡحَدُونَ} (51)

{ الَّذِينَ اتخذوا دِينَهُمْ } الذي أمرهم الله تعالى به أو الذي يلزمهم التدين بن { لَهْوًا وَلَعِبًا } فلم يتدينوا به أو فحرموا ما شاؤوا واستحلوا ما شاؤوا ، واللهو كما قيل صرف الهم إلى ما لا يحسن أن يصرف إليه ، واللعب طلب الفرح بما لا يحسن أن يطلب ، وقد تقدم تفصيل الكلام فيهما فتذكر { وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا } شغلتهم بزخارفها العاجلة ومواعيدها الباطلة وهذا شأنها مع أهلها قاتلها الله تعالى تغر وتضر وتمر { فاليوم ننساهم } نفعل بهم فعل الناسي بالمنسي من عدم الاعتداد بهم وتركهم في النار تركاً كلياً فالكلام خارج مخرج التمثيل ، وقد جاء النسيان بمعنى الترك كثيراً ويصح أن يفسر به هنا فيكون استعارة أو مجازاً مرسلاً ، وعن مجاهد أنه قال : المعنى نؤخرهم في النار ، وعليه فالظاهر أن ننساهم من النسء لا من النسيان . والفاء في قوله تعالى : { فاليوم } فصيحة .

وقوله عز وعلا .

{ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هذا } قيل : في محل النصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي ننساهم نسياناً مثل نسيانهم لقاء هذا اليوم العظيم الذي لا ينبغي أن ينسى . وليس الكلام على حقيقته أيضاً لأنهم لم يكونوا ذاكري ذلك حتى ينسوه بل شبه عدم إخطارهم يوم القيامة ببالهم وعدم استعدادهم له بحال من عرف شيئاً ثم نسيه . وعن ابن عباس ومجاهد والحسن أن المعنى كما نسوا العمل للقاء يومهم هذا وليس هذا التقدير ضرورياً كما لا يخفى ، وذهب غير واحد إلى أن الكاف للتعليل متعلق بما عنده لا للتشبيه إذ يمنع منه قوله تعالى : { وَمَا كَانُواْ بئاياتنا يَجْحَدُونَ } لأنه عطف على { مَا * نَسُواْ } وهو يستدعي أن يكون مشبهاً به النسيان مثله . وتشبيه النسيان بالجحود غير ظاهر ، ومن ادعاه قال : المراد نتركهم في النار تركاً مستمراً كما كانوا منكرين أن الآيات من عند الله تعالى إنكاراً مستمراً . وقال القطب : الجحود في معنى النسيان ، وظاهر كلام كثير من المفسرين أن كلام أهل الجنة إلى { وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا } لا { إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا عَلَى الكافرين } [ الأعراف : 50 ] فقط . وقال بعضهم : إنه ذلك لا غير ، وعليه فيجوز أن يكون { الذين } مبتدأ وجملة { اليوم * ننساهم } خبره ، والفاء فيه مثلها في قولك : الذي يأتيني فله درهم كما قيل .