لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمۡ لَهۡوٗا وَلَعِبٗا وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَاۚ فَٱلۡيَوۡمَ نَنسَىٰهُمۡ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوۡمِهِمۡ هَٰذَا وَمَا كَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَجۡحَدُونَ} (51)

{ الذين يصدون عن سبيل الله } يعني أنهم تلاعبوا بدينهم الذي شرع لهم ولهوا عنه . وأصل اللهو ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه . ويقال لهوت بكذا ولهيبت عن كذا أي اشتغلت عنه . قال ابن عباس رضي الله عنهما : هم المستهزؤون وذلك أنهم كانوا إذا دعوا إلى الإيمان سخروا ممن دعاهم إليه وهزؤوا به استهزاء بالله عز وجل ، وقيل : هو ما زين لهم الشيطان من تحريم البحائر والسوائب والمكاء والتصدية حول البيت وسائر الخصال الذميمة التي كانوا يفعلونها في الجاهلية : وقيل : معنى دينهم عيدهم اتخذوه لهواً ولعباً لا يذكرون الله فيه { وغرتهم الحياة الدنيا } يعني وخدعهم عاجل ما هم فيه من خصب العيش ولذته وشغلهم ما هم فيه من ذلك عن الإيمان بالله ورسوله وعن الأخذ بنصيبهم من الآخرة حتى أتتهم المنية على ذلك . والغرة غفلة في اليقظة وهو طمع الإنسان في طول العمر وحسن العيش وكثرة المال والجاه ونيل الشهوات فإذا حصل ذلك صار محجوباً عن الدين وطلبِ الخلاص لأنه غريق في الدنيا بلذاته وما هو فيه من ذلك ولما وصفهم الله تعالى بهذه الصفات الذميمة قال { فاليوم } يوم القيامة { ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا } يعني فاليوم نتركهم في العذاب المهين جياعاً عطاشاً كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا . وهذا قول ابن عباس ومجاهد والسدي . قال ابن عباس رضي الله عنهما : نسيهم من الخير ولم ينسهم من الشر . وقيل معناه نعاملهم معاملة من نسي فنتركهم في النار كما تركوا العمل وأعرضوا عن الإيمان إعراض الناسي . سمى الله تعالى جزاء نسيانهم بالنسيان على المجاز لأن الله تعالى لا ينسى شيئاً فهو كقوله وجزاء سيئة سيئة مثلها فيكون المراد من هذا النسيان أن الله تعالى لا يجيب دعاءهم ولا رحم ضعفهم وزلتهم بل يتركهم في النار كما تركوا الإيمان والعمل { وما كانوا بآياتنا يجحدون } يعني ونتركهم في النار كما كانوا بدلائل وحدانيتنا يكذبون .