تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمۡ لَهۡوٗا وَلَعِبٗا وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَاۚ فَٱلۡيَوۡمَ نَنسَىٰهُمۡ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوۡمِهِمۡ هَٰذَا وَمَا كَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَجۡحَدُونَ} (51)

ثم وصف تعالى الكافرين بما كانوا يعتمدونه في الدنيا من اتخاذهم الدين لهوا ولعبا ، واغترارهم بالدنيا وزينتها وزخرفها عما أمروا به من العمل للدار الآخرة .

قوله{[11802]} { فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا } أي : نعاملهم معاملة من نَسيهم ؛ لأنه تعالى لا يشذ عن{[11803]} علمه شيء ولا ينساه ، كما قال تعالى : { فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى } [ طه : 52 ]

وإنما قال تعالى هذا من باب المقابلة ، كما قال : { نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [ التوبة : 67 ] وقال : { كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى } [ طه : 126 ] وقال تعالى : { وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا } [ الجاثية : 34 ]

وقال العَوْفي ، عن ابن عباس في [ قوله ]{[11804]} { فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا } قال : نسيهم الله من الخير ، ولم ينسهم من الشر .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : نتركهم ، كما تركوا لقاء يومهم هذا . وقال مجاهد : نتركهم في النار . وقال السُّدِّي : نتركهم من الرحمة ، كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم هذا .

وفي الصحيح أن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : " ألم أزوجك ؟ ألم أكرمك ؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل ، وأذَرْك ترأس وتَرْبَع ؟ فيقول : بلى . فيقول : أظننت أنك ملاقي ؟ فيقول : لا . فيقول الله : فاليوم أنساك كما نسيتني " {[11805]}


[11802]:في م: "وقوله".
[11803]:في أ: "من".
[11804]:زيادة من أ.
[11805]:ورواه ابن أبي شيبة كما في الدر المنثور للسيوطي (3/469).