محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمۡ لَهۡوٗا وَلَعِبٗا وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَاۚ فَٱلۡيَوۡمَ نَنسَىٰهُمۡ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوۡمِهِمۡ هَٰذَا وَمَا كَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَجۡحَدُونَ} (51)

ثم وصف الكافرين بقوله :

{ الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء

يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون ( 51 ) } .

{ الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا } أي : مما زينه لهم الشيطان . واللهو : كل ما صدّ عن الحق . واللعب : كل أمر باطل . أي : ليس دينهم في الحقيقة إلا ذلك ، إذ هو دأبهم وديدنهم { وغرتهم الحياة الدنيا } بزخارفها العاجلة ، فلم يعملوا { فاليوم ننساهم } أي : نتركهم ترك المنسي ، فلا نرحمهم بما نرحم به من عمل للآخرة { كما نسوا لقاء يومهم هذا } أي : كما فعلوا بلقائه ، فعل الناسين ، فلم يخطروه ببالهم ، ولم يهتموا به .

لطيفة :

قال الشهاب : { ننساهم } تمثيل . شبه معاملته تعالى مع هؤلاء بالمعاملة مع من لا يعتد به ، ويلتفت إليه ، فينسى . لأن النسيان لا يجوز على الله تعالى ، أي لأنه تعالى لا يشذ عن علمه شيء ، كما قال{[3939]} : { في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى } والنسيان يستعمل بمعنى الترك كثيرا في لسان العرب . ويصح هنا أيضا ، فيكون استعارة تحقيقية ، أو مجازا مرسلا ؛ وكذا نسيانهم لقاء الله أيضا ، لأنهم لم يكونوا ذاكري الله حتى ينسوه ، فشبه عدم إخطارهم لقاء الله والقيامة ببالهم ، وقلة مبالاتهم- بحال من عرف شيئا ، ثم نسيه . وليست الكاف للتشبيه ، بل للتعليل ، ولا مانع من التشبيه أيضا – انتهى- .

/ وقال تعالى : { وما كانوا بآياتنا يجحدون } أي وكما كانوا منكرين أنها من عند الله تعالى . روى الترمذي{[3940]} عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بالعبد يوم القيامة ، فيقول الله : ألم أجعل لك سمعا وبصرا ومالا وولدا ، وسخرت لك الأنعام والحرث ، وتركتك ترأس وتربع ، فكنت تظن أنك ملاقي يومك هذا ؟ قال فيقول : لا  ! فيقول له : اليوم أنساك كما نسيتني " .

وفي حديث أبي هريرة عند مسلم{[3941]} : " فيلقى العبد ربه ، فيقول : أي فلْ  ! ألم أكرمك وأسوّدك ، وأزوجك ، وأسخر لك الخيل والإبل ، وأتَركْك ترأس وتربَع ؟ فيقول : بلى . قال أظننت أنك ملاقي ؟ فيقول : لا . فيقول : فإني أساك كما نسيتني "   ! .


[3939]:- [20/ طه/ 52] {قال علمها عند ربي...}.
[3940]:- أخرجه الترمذي في: 35- كتاب القيامة، 6- باب منه، حدثنا سويد بن نصر.
[3941]:- أخرجه مسلم في: 53- كتاب الزهد والرقائق، حديث 16 (طبعتنا) ونصه: عن أبي هريرة قال: قالوا: يا رسول الله ! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال "هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة، ليست في سحابة"؟ قالوا؛ لا. قال "فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر، ليس في سحابة"؟ قالوا: لا. قال "فوالذي نفسي بيده ! لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما. قال فيلقى العبد، فيقول: أي فلْ ! ألم أكرمك وأسوّدك، وأزوجك، وأسخر لك الخيل والإبل، وأذَرْك ترأس وتربَع؟ فيقول: بلى. قال أظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا. فيقول: فإني أساك كما نسيتني. ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك. فيقل: يا ربِّ ! آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصليت وصمت وتصدقت. ويثني بخير ما استطاع. فيقول: ههنا إذا. قال ثم يقال له: الآن نبعث شاهدنا عليك. ويتفكر في نفسه: من ذا الذي يشهد علي؟ فيختم على فيه. ويقال لفخذه ولحمه وعظامه: انطقي. فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله. وذلك ليعذر من نفسه. وذلك المنافق، وذلك الذي يسخط الله عليه".