المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡۖ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَٰبٖۖ وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡۖ لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡۖ لَا حُجَّةَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ يَجۡمَعُ بَيۡنَنَاۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (15)

اللام في قوله : { فلذلك } قالت فرقة : هي بمنزلة إلى ، كما قال تعالى : { بأن ربك أوحى لها }{[10121]} أي إليها ، كأنه قال : فإلى ما وصى به الأنبياء من التوحيد { فادع } ، وقالت فرقة : بل هي بمعنى من أجل كأنه قال : فمن أجل أن الأمر كذا ولكونه كذا { فادع } أنت إلى ربك وبلغ ما أرسلت به . وخوطب عليه السلام بأمر الاستقامة ، وقد كان مستقيماً ، بمعنى : دم على استقامتك ، وهكذا الشأن في كل مأمور بشيء هو متلبس به إنما معناه الدوام ، وهذه الآية ونحوها كانت نصب عين النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت شديدة الموقع من نفسه ، أعني قوله تعالى : { فاستقم كما أمرت }{[10122]} [ هود : 112 ] لأنها جملة تحتها جميع الطاعات وتكاليف النبوءة ، وفي هذا المعنى قال عليه السلام : «شيبتني هود وأخواتها » ، فقيل له : لم ذلك ؟ فقال : لأن فيها { فاستقم كما أمرت } [ هود : 112 ] وهذا الخطاب له عليه السلام بحسب قوته في أمر الله تعالى وقال هو لأمته بحسب ضعفهم استقيموا ولن تحصوا{[10123]} .

وقوله تعالى : { ولا تتبع أهواءهم } يعني قريشاً فيما كانوا يهوونه من أن يعظم آلهتهم وغير ذلك ، ثم أمره تعالى أن يؤمن بالكتب المنزلة قبله من عند الله ، وهو أمر يعم سائر أمته .

وقوله تعالى : { وأمرت لأعدل بينكم } قالت فرقة : اللام في { لأعدل } بمعنى : أن ، التقدير : بأن أعدل بينكم . وقالت فرقة المعنى : وأمرت بما أمرت به من التبليغ والشرع لكي أعدل بينكم ، فحذف من الكلام ما يدل الظاهر عليه .

وقوله : { ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم } إلى آخر الآية منسوخ ما فيه من موادعة بآية السيف .

وقوله : { لا حجة بيننا وبينكم } أي لا جدال ولا مناظرة ، قد وضح الحق وأنتم تعاندون ، وفي قوله تعالى : { الله يجمع بيننا } وعيد .


[10121]:الآية 5 من سورة (الزلزلة).
[10122]:أخرجه الترمذي في سورة (الواقعة).
[10123]:أخرجه في الطهارة ابن ماجه ومالك في موطئه، وأخرجه الدارمي في الوضوء، وأحمد في مسنده (5-277، 282)، وهو عن ثوبان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن). قال ابن الأثير في النهاية: "أي: استقيموا في كل شيء حتى لا تميلوا، ولن تطيقوا الاستقامة) من قوله تعالى: {علم أن لن تحصوه}، أي لن تطيقوا عده وضبطه).