قوله تعالى : { فَلِذَلِكَ فادع واستقم كَمَا أُمِرْتَ } في اللام وجهان :
أحدهما : أن تكون بمعنى «إلى » أي فإلى ذلك الدين فادع واستقم{[49148]} ، وهو الاتفاق على الملة الحنيفية ، «واسْتَقِمْ » عليها ( أي اثبت على الدين{[49149]} الذي أمَرَكَ به ) كما أمرك الله { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ } المختلفة الباطلة .
والثاني : أنها للعلة{[49150]} ، أي لأجل التفرق والاختلاف ادع للدين القيم { آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ الله مِن كِتَابٍ } أي بأيِّ كتابٍ صحَّ أن الله أنزله يعني الإيمان بجميع الكتب المنزلة .
قوله : { وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ } يجوز أن يكون التقدير : وأمرت بذلك لأعدل بينكم في الحكم{[49151]} ، وقيل : أمِرْتُ أنْ أَعْدِلَ{[49152]} ، فاللام مزيدة . وفيه نظر لأنك بعد زيادة اللام تحتاج إلى تقدير حرف أي بأن أعدل{[49153]} .
قال القفال : معناه أن ربي أمرني أن لا أفرق بين نفسي أو أنفسكم{[49154]} بأن آمركم{[49155]} بما لا أعلمه أو أخالفكم إلى ما لا أنهاكم عنه ، لكني أسوي بينكم وبين نفسي كذلك أسوي بين أكابركم{[49156]} وأصاغركم في الحكم . وقيل معناه : لا أضيف عليكم بأكثر مما أفترض الله عليكم{[49157]} من الأحكام .
قوله : { الله رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } يعني إلهنا واحد ، وإن اختلفت أعمالنا ، فكلُّ يُجازَى بعمله ، «لا حجَّة » ، لا خصومة ، «بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ » . نسختها آية القتال ، وإذا لم يؤمر بالقتال وأمر بالدعوة لم يكن بينه وبين من لا يجيب خصومة{[49158]} .
قال ابن الخطيب : ومعنى الآية أنه إله الكل واحد ، وكل واحد مخصوص بعمل نفسه ، فوجب أن يشتغل كل واحد في الدنيا بنفسه فإن الله تعالى يجمع بين الكل يوم القيامة ويجازيه على عمله{[49159]} .
فإن قيل : كيف يليق بهذه المتاركة{[49160]} ما فعل بهم من القتل وتخريب البيوت وقطع النخيل والإجلاء ؟ ! فالجواب : هذه المتاركة كانت مشروطة بشرط أن يقبلوا الدين المتفق على صحته بين كل الأنبياء ودخل فيه التوحيد ، وترك عبادة الأصنام والإقرار بنبوة الأنبياء وبصحة البعث والقيامة فلمَّا لم يقبلوا هذه الدين فات الشَّرط فيفوت المشروط .
واعلم أن قوله تعالى : { لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ } يجرى مجرى محاجَّتهم ، بدليل أن هذا الكلام مذكور في معرض المحاجَّة ، فلو كان المراد من هذه الآية تحريم المحاجة لزم كونها محرمةً لنفسها ، وهو متناقض{[49161]} . وأيضاً لولا الأدلة لما توجه التكليف ، وأيضاً : أن الدليل يفيد العلم وذلك لا يمكن تحريمه بل المراد أن القوم عرفوا بالحجة صدق محمد صلى الله عليه وسلم . وإنما تركوا تصديقه عناداً فبين تعالى أنه حصل الاستغناء عن محاجَّتهم ؛ لأنهم عرفوا صدقه ، ولا{[49162]} حاجة معهم إلى المحاجَّة ألبتة .
ومما يقوي عدم تحريم المحاجة قوله : { وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ } [ النحل : 125 ] وقوله : { قَالُواْ يا وح قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا } [ هود : 31 ] وقوله : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ آتَيْنَاهَآ{[49163]} إِبْرَاهِيمَ على قَوْمِهِ } [ الأنعام : 83 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.