الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡۖ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَٰبٖۖ وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡۖ لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡۖ لَا حُجَّةَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ يَجۡمَعُ بَيۡنَنَاۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (15)

قوله تعالى : { فلذلك فادع واستقم } إلى قوله : { لفي ظلال بعيد }{[60769]} أي : فإلى ذلك الدين{[60770]} يا محمد فادع الناس واستقم{[60771]} .

فاللام في ( فلذلك ) / بمعنى ( إلى ){[60772]} كما قال : { بأن ربك أوحى لها }{[60773]} أي{[60774]} : إليها{[60775]} .

{ واستقم كما أمرت } أي : واستقم يا محمد على العمل بذلك الدين ، وأثبت عليه كما أمرك ربك .

( وقيل : ( ذلك ) بمعنى : هذا{[60776]} . والتقدير : فلهذا القرآن فادع الناس يا محمد واستقم على العمل به كما أمرك ربك .

وقيل : اللام ){[60777]} على بابها ، والمعنى : ومن أجل ذلك الذي تقدم ذكره فادع إلى عبادة الله واستقم على ( ما أمرك{[60778]} ) ربك{[60779]} .

وفي الكلام تقديم وتأخير . والتقدير فيه : كبر على المشركين ما تدعوهم إليه فلذلك فادع ، أي فإلى ذلك ( الدين فادع ){[60780]} عباد الله واستقم كما أمرت .

ثم قال : { ولا تتبع أهواءهم } أي : ولا تتبع أهواء المشركين في الحق الذي شرعه الله لكم من الدين{[60781]} .

{ وقل أمنت بما أنزل الله من كتاب } أي : وقل يا محمد صدقت بما أنزل الله من كتاب ، كائنا ذلك الكتاب ما كان لا أكذب بشيء منه ، كما كذبتم أيها المشركون ببعضه ، وصدقتم ببعضه .

ثم قال تعالى : { وأمرت لأعدل بينكم } أي : وأن أسير{[60782]} فيكم أجمعين بالحق الذي بعثني ( الله به ){[60783]} .

قال قتادة : ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعدل ، فعدل ، حتى مات صلى الله عليه وسلم . والعدل ميزان الله في الأرض ، به يأخذ المظلوم من الظالم ، والضعيف من الشديد ){[60784]} وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ثلاث من كن فيه أنجينه : القصد في الفاقة والغنى ، والعدل{[60785]} في الرضى والغضب ، والخشية في السر والعلانية .

وثلاث من كن فيه أهلكته : شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه .

وأربع من أعطيهن{[60786]} فقد أعطي خير الدنيا والآخرة : لسان ذاكر ، وقلب شاكر ، وبدن صابر ، وزوجة موافقة " {[60787]} .

ثم قال تعالى : { الله ربنا وربكم } ، أي : مالكنا ومالككم . وهذا كله خطاب لجميع الأحزاب من أهل الكتابين .

{ لنا أعمالنا ولكم أعمالكم } أي : لنا ثواب ما اكتسبنا من الأعمال ، ولكم ثواب ما اكتسبتم منها .

{ لا حجة بيننا وبينكم } ، أي : ( لا خصومة ) : قاله مجاهد وابن زيد{[60788]} . وقيل : ( المعنى : لا خصومة بيننا ){[60789]} لأن الحق قد تبين{[60790]} لكم صوابه{[60791]} . فاحتجاجكم إنما هو عناد في أمر قد تبين لكم صوابه ( فاحتجاجكم إنما هو فيما قد علمنا أنكم ){[60792]} تعلمونه وتنكرونه بعد علمكم بصحته .

ثم قال تعالى : { الله يجمع بيننا وإليه المصير } أي : يجمع بيننا في موقف يوم{[60793]} القيامة فيقضي بيننا بالحق فيما اختلفنا فيه ، وإليه مصيرنا أجمعين .


[60769]:الشورى الآيات 13-16.
[60770]:(ح): الدين القيم.
[60771]:في طرة (ت)، وساقط من (ح).
[60772]:فوق السطر في (ت).
[60773]:الزلزلة آية 5.
[60774]:فوق السطر في (ت) وساقط من (ح).
[60775]:قال بهذا الطبري أيضا في جامع البيان 25/11، والنحاس في إعرابه. 4/75.
[60776]:قاله الفراء في معانيه 3/22. وورد مجهول القائل في جامع البيان 25/11، وإعراب النحاس 4/76، وجامع القرطبي 16/13. وقال النحاس معلقا على هذا: (لا يجوز عند النحويين الحذاق).
[60777]:في طرة (ت).
[60778]:(ح): أمر.
[60779]:انظر معاني الزجاج 4/396، وإعراب النحاس 4/76، وجامع القرطبي 16/13.
[60780]:ساقط من (ت).
[60781]:(ح): الذين.
[60782]:(ت): أمش.
[60783]:(ح): إليه.
[60784]:انظر جامع البيان 25/12.
[60785]:(ت): والعمل.
[60786]:اعطهن.
[60787]:لقد ورد هذا الحديث عند الإمام السيوطي موزعا بين حديثين الأول ح 3472: (ثلاث مهلكات وثلاث منجيات رواه ابن عمر. والثاني ح 918: "أربع من أعطيهن..." رواه ابن عباس. وقد صحح الألباني الحديث الأول في صحيح الجامع (3045) بينما ضعف الثاني في ضعيف الجامع (856).
[60788]:انظر تفسير مجاهد 2/574، وجامع القرطبي 16/13، وتفسير ابن كثير 4/110، كلهم بلفظه عن مجاهد فقط.
[60789]:في طرة (ت).
[60790]:(ت): (تبين وأنتم معاندون له في أمر قد تبين.
[60791]:قاله مجاهد وابن زيد. انظر جامع البيان 25/12.
[60792]:(ت): (فاحتجاجكم إنما هو عناد في أمر قد تبين لكم صوابه، ولا تجاحكم فيما).
[60793]:ساقط من (ت).