فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡۖ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَٰبٖۖ وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡۖ لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡۖ لَا حُجَّةَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ يَجۡمَعُ بَيۡنَنَاۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (15)

{ فَلِذَلِكَ فادع واستقم } أي فلأجل ما ذكر من التفرّق والشكّ ، أو فلأجل أنه شرع من الدين ما شرع ، فادع واستقم ؛ أي : فادع إلى الله وإلى توحيده ، واستقم على ما دعوت إليه . قال الفراء ، والزجاج : المعنى فإلى ذلك ، فادع كما تقول : دعوت إلى فلان ، ولفلان ، وذلك إشارة إلى ما وصى به الأنبياء من التوحيد . وقيل : في الكلام تقديم وتأخير . والمعنى : كبر على المشركين ما ندعوهم إليه ، فلذلك فادع . قال قتادة : استقم على أمر الله . وقال سفيان : استقم على القرآن . وقال الضحاك : استقم على تبليغ الرسالة { كَمَا أُمِرْتَ } بذلك من جهة الله { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ } الباطلة ، وتعصباتهم الزائغة ، ولا تنظر إلى خلاف من خالفك في ذكر الله { وَقُلْ ءامَنتُ بِمَا أَنزَلَ الله مِن كتاب } أي بجميع الكتب التي أنزلها الله على رسله ، لا كالذين آمنوا ببعض منها ، وكفروا ببعض { وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ } في أحكام الله إذا ترافعتم إليّ ، ولا أحيف عليكم بزيادة على ما شرعه الله ، أو بنقصان منه . وأبلغ إليكم ما أمرني الله بتبليغه كما هو ، واللام لام كي ، أي أمرت بذلك الذي أمرت به ، لكي أعدل بينكم . وقيل : هي زائدة ، والمعنى : أمرت أن أعدل ؛ والأوّل أولى . قال أبو العالية : أمرت ، لأسويّ بينكم في الدين ، فأؤمن بكل كتاب ، وبكل رسول . والظاهر : أن الآية عامة في كل شيء ، والمعنى أمرت ؛ لأعدل بينكم في كل شيء { الله رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } أي إلهنا وإلهكم ، وخالقنا وخالقكم { لَنَا أعمالنا } أي ثوابها ، وعقابها خاصّ بنا { وَلَكُمْ أعمالكم } أي ثوابها ، وعقابها خاصّ بكم { لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ } أي لا خصومة بيننا وبينكم . لأن الحق قد ظهر ووضح { الله يَجْمَعُ بَيْنَنَا } في المحشر { وَإِلَيْهِ المصير } أي المرجع يوم القيامة ، فيجازي كلا بعمله : وهذا منسوخ بآية السيف . قيل : الخطاب لليهود ، وقيل : للكفار على العموم .

/خ18