فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡۖ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَٰبٖۖ وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡۖ لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡۖ لَا حُجَّةَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ يَجۡمَعُ بَيۡنَنَاۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (15)

{ فَلِذَلِكَ } أي فلأجل ما ذكر من التفرق والشك أو الكتاب ، أو العلم الذي أوتيته ، أو فلأجل أنه شرع من الدين ما شرع { فَادْعُ } إلى الله وإلى توحيده وإلى الاتفاق والائتلاف على الملة الحنيفية القوية أو الإتباع لما أوتيته ، وعلى هذا اللام في موضع إلى لإفادة الصلة والتعليل ، قال الفراء والزجاج : المعنى فإلى ذلك فادع ، كما تقول : دعوت إلى فلان ولفلان وذلك إشارة إلى ما وصى به الأنبياء من التوحيد ، وقيل : في الكلام تقديم وتأخير والمعنى { كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } { فَلِذَلِكَ فَادْعُ } .

{ وَاسْتَقِمْ } على ما دعوت إليه فسر الراغب الاستقامة بلزوم المنهج المستقيم ، فلا حاجة إلى تأويلها بالدوام على الاستقامة ، قال قتادة : استقم على أمر الله ، وقال سفيان : استقم على القرآن ، وقال الضحاك : استقم على تبليغ الرسالة { كَمَا أُمِرْتَ } بذلك من جهة الله تعالى .

{ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ } الباطلة وتعصباتهم الزائفة في ترك التوحيد ، ولا تنظر إلى خلاف من خالفك في دين الله { وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ } أي بجميع الكتب التي أنزلها الله على رسله لا كالذين آمنوا ببعض منها وكفروا ببعض وفيه تحقيق للحق ، وبيان لاتفاق الكتب في أصول الدين ، وتألف لقلوب أهل الكتابين وتعريض لهم .

{ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ } في أحكام الله إذا ترافعتم إلي ، ولا أحيف عليكم بزيادة على ما شرعه الله ، أو بنقصان منه ، وأبلغ إليكم ما أمرني الله بتبليغه كما هو واللام لام كي ، أي أمرت بذلك الذي أمرت به لكي أعدل بينكم ، وقيل : هي زائدة ، والمعنى أمرت أن أعدل وقيل : بمعنى الباء وأن المصدرية مقدرة أي بأن أعدل والأول أولى .

قال أبو العالية : أمرت لأسوى بينكم في الدين فأومن بكل كتاب وبكل رسول ، والظاهر أن الآية عامة في كل شيء ، والمعنى أمرت لأعدل بينكم في كل شيء .

{ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } أي إلهنا وإلهكم ، وخالقنا وخالقكم { لَنَا أَعْمَالُنَا } أي ثوابها وعقابها خاص بنا { وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } أي ثوابها وعقابها خاص بكم ، فكل يجازى بعمله { لَا حُجَّةَ } أي لا خصومة { بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ } لأن الحق قد ظهر ووضح ، ولم يبق للمحاجة مجال ، وليس في الآية إلا ما يدل على المتاركة في المقاولة ، والمحاجة لا مطلقا حتى تكون منسوخة ، وإنما عبر عن أباطيلهم بالحجة مجاراة لهم على زعمهم الباطل ، قال ابن عباس ومجاهد : الخطاب لليهود وقيل للكفار على العموم .

{ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا } في المحشر لفصل القضاء { وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ } أي المرجع يوم القيامة ، فيجازي كلُاً بعمله ، وهذا منسوخ بآية السيف وقيل ليست بمنسوخة لأن البراهين قد ظهرت والحجج قد قامت فلم يبق إلا العناد وبعد العناد لا حجة ولا جدال .