قوله تعالى : { ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه } ذكر الكناية لأجل { من } وقيل : رد الكناية إلى ما في الإضمار ، مجازه : ومن الناس والدواب والأنعام ما هو مختلف ألوانه ، { كذلك } يعني كما اختلف ألوان الثمار والجبال ، وتم الكلام ها هنا ثم ابتدأ فقال : { إنما يخشى الله من عباده العلماء } قال ابن عباس : يريد إنما يخافني من خلقني من علم جبروتي وعزتي وسلطاني .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا عمر بن حفص ، أنبأنا أبي أنبأنا الأعمش ، أنبأنا مسلم ، عن مسروق قال : قالت عائشة رضي الله عنها : " صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فرخص فيه ، فتنزه عنه قوم ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب فحمد الله ثم قال : ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية " . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً " . وقال مسروق : كفى بخشية الله علماً وكفى بالاغترار بالله جهلاً . وقال رجل للشعبي : أفتني أيها العالم ، فقال الشعبي : إنما العالم من خشي الله عز وجل . { إن الله عزيز غفور } أي : عزيز في ملكه غفور لذنوب عباده .
قوله : { وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ } أي وكذلك الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانها . فالناس فيهم السود والبيض والسمر . وفيهم أولو بشرة صفراء وحمراء ، وفيهم ما بين ذلك من الألوان وكذلك الدواب : جمع دابة ، وهي كل حيوان دبّ على الأرض{[3866]} ، والأنعام من باب عطف الخاص على العام . والمراد بها الإبل والبقر والغنم . فذلك كذلك ألوانه مختلفة كاختلاف ألوان الناس . والهاء في قوله : { أَلْوَانُهُ } تعود على موصوف محذوف وتقديره : خَلْق مختلف ألوانه . و { أَلْوَانُهُ } مرفوع على أنه فاعل لاسم الفاعل ، { مُخْتَلِفٌ } {[3867]} .
على أن ما ذُكر في الآية من إخراج الثمرات بألوانها وطعومها وروائحها المختلفة ، وما في الجبال من طرائق مختلفة الأشكال والألوان ، فإن ذلك كله يدل على قدرة الصانع الحكيم ذي القوة والجلال والملكوت الذي تذعن له القلوب والنواصي بالخشية والخضوع والطاعة والعبادة .
قوله : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } أولئك أهل النباهة والفطانة والتقوى الذين آمنوا بالله ورسوله ، وأيقنوا بالمعاد في اليوم الآخر وأن الله جامع الناس ليوم لا ريب فيه . أولئك الذين يخشون الله ويحرصون أشد الحرص على طاعته والتزام أوامره وشرائعه سبحانه .
قال ابن عباس في تأويل الآية : العالم بالرحمن من عباده من لم يشرك به شيئا وأحل حلاله وحرّم حرامه وحفظ وصيته وأيقن أنه ملاقيه ومحاسب بعمله .
وقال الحسن البصري : العالم من خشي الرحمن بالغيب ورغب فيما رغَّب الله فيه ، وزهد فيما سخط الله فيه .
وقال الزمخشري في تأويل الآية : المراد بالعلماء به الذين علموه صفاته وعدله وتوحيده ، وما يجوز عليه وما لا يجوز ، فعظموه وقدروه حق قدره وخشوه حق خشيته .
قوله : { إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } الله قوي ذو بأس شديد ، قاهر للعصاة والمستكبرين . ومنتقم من الطغاة المتجبرين . وهو سبحانه غفار لذنوب عباده التائبين المستغفرين{[3868]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.