مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ مُخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ كَذَٰلِكَۗ إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰٓؤُاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (28)

{ وَمِنَ الناس والدوآب والأنعام مُخْتَلِفٌ ألوانه } يعني ومنهم بعض مختلف ألوانه { كذلك } أي كاختلاف الثمرات والجبال . ولما قال { أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السماء مَاء } وعدد آيات الله وأعلام قدرته وآثار صنعته وما خلق من الفطر المختلفة الأجناس وما يستدل به عليه وعلى صفاته ، أتبع ذلك { إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماؤا } أي العلماء به الذين علموه بصفاته فعظموه ومن ازداد علماً به ازداد منه خوفاً ومن كان علمه به أقل كان آمن . وفي الحديث " أعلمكم بالله أشدكم له خشية " وتقديم اسم الله تعالى وتأخير العلماء يؤذن أن معناه أن الذين يخشون الله من عباده العلماء دون غيرهم ولو عكس لكان المعنى أنهم لا يخشون إلا الله كقوله : { وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ الله } [ الأحزاب : 39 ] وبينهما تغاير ، ففي الأول بيان أن الخاشين هم العلماء ، وفي الثاني بيان أن المخشي منه هو الله تعالى . وقرأ أبو حنيفة وابن عبد العزيز وابن سيرين رضي الله عنهم { إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء } والخشية في هذه القراءة استعارة ، والمعنى إنما يعظم الله من عباده العلماء { إِنَّ الله عَزِيزٌ غَفُورٌ } تعليل لوجوب الخشية لدلالته على عقوبة العصاة وقهرهم وإثابة أهل الطاعة والعفو عنهم والمعاقب المثيب حقه أن يخشى .