الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ مُخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ كَذَٰلِكَۗ إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰٓؤُاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (28)

قوله : { مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ } : مختلفٌ نعتٌ لمنعوتٍ محذوف هو مبتدأ ، والجارُّ قبلَه خبرُه ، أي : من الناس صِنْفٌ أو نوعٌ مختلفٌ ؛ وكذلك عملُ اسمِ الفاعلِ كقولِ الشاعر :

كناطِحٍ صَخْرَةً يوماً لِيَفْلِقَها *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقرأ ابن السَّميفع " ألوانُها " وهو ظاهرٌ . وقرأ الزهري " والدوابُ " خفيفةَ الباءِ فِراراً مِنْ التقاء الساكنين ، كما حُرِّك أولُهما في " الضألِّين " و " جأنّ " .

قوله : " كذلك " فيه وجهان ، أظهرهما : أنه متعلِّقٌ بما قبله أي : مختلفٌ اختلافاً مثلَ الاختلافِ في الثمرات والجُدَدِ . والوقفُ على " كذلك " . والثاني : أنه متعلِّقٌ بما بعده ، والمعنى : مثلَ ذلك/ المطرِ والاعتبارِ في مخلوقات الله تعالى واختلافِ ألوانِها يَخْشَى اللَّهَ العلماءُ . وإلى هذا نحا ابن عطية وهو فاسدٌ من حيث إنَّ ما بعد " إنَّما " مانِعٌ من العمل فيما قبلها ، وقد نَصَّ أبو عُمر الداني على أنَّ الوقفَ على " كذلك " تامٌّ ، ولم يَحْكِ فيه خِلافاً .

قوله : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ } العامَّةُ على نصب الجلالة ورفع " العلماءُ " وهي واضحةٌ . وقرأ عمرُ بن عبد العزيز وأبو حنيفةَ فيما نقل الزمخشريُّ وأبو حيوةَ - فيما نَقَلَ الهذليُّ في كامله - بالعكس ، وتُؤُوِّلت على معنى التعظيم ، أي : إنما يُعَظِّمُ اللَّهُ مِنْ عبادِه العلماءَ . وهذه القراءة شبيهةٌ بقراءة { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ } [ البقرة : 124 ] برفع " إبراهيم " ونصب " رَبَّه " وقد تقدَّمَتْ .