{ وَمِنَ الناس والدواب والأنعام } ، أي : مختلِفَ ألوانهُ .
وقوله تعالى : { كذلك } يحتمل أن يكونَ من الكلامِ الأول فيجيءُ الوقْفُ عليهِ حَسَناً ، وإلى هذا ذهب كثيرٌ من المفسرين . ويحتملُ أنْ يكونَ مِن الكَلامِ الثَّانِي ؛ خَرَجَ مخرج السببِ كأنّه قال : كما جاءتْ القدرةُ في هذا كلِّه كذلك { إنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء } ، أي : المحصلون لهذه العبرَ ، الناظرون فيها . وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ أشدُّكُم لَهُ خشية " ؛ وقال صلى الله عليه وسلم " رَأْسُ الحِكْمَة مَخَافَةُ اللّه " . وقال الرَّبِيع بن أنس : " مِنْ لم يخشَ اللّه فليسَ بعالمٍ " ، وقال ابن عباس في تفسير هذه الآية : كفى بالزهدِ عِلما ، ويقال : إن فاتحةَ الزَّبور ؛ رأس الحكمة خشيةُ اللّه ، وقال ابن مسعود : كفى بخشيةِ اللّه علماً ، وبالاغترارِ به جهلاً ، وقال مجاهد والشعبي : إنما العالمَ مَنْ يخْشَى اللّهَ . و{ إِنَّمَا } في هذه الآية تَخْصِيصٌ لِلعلمَاء ؛ لاَ للحصر . قال ابن عطاء اللّه في «الحِكم » : " العلمْ النافعُ هُو الذي يَنْبَسِط في الصدر شعاعُه ، ويُكْشَفُ به عن القلبِ قناعُه ، خَيرُ العلم ما كانت الخشيةُ مَعَه ؛ والعلم إن قارَنَتْهُ الخشيةُ فَلَكَ وإلا فَعَلَيْكَ " .
وقال في «التنوير » : " اعلم أن العلمَ ؛ حيثُ ما تكرَّر في الكتابِ العزيز أو في السنة ؛ فإنما المرادُ به العلمْ النافعُ الذي تُقَارِنُه الخشيةُ وتَكْتَنِفُه المخَافَةُ : قال تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء } فبَيَّنَ سبحانه أنَّ الخشيةَ تُلازِمُ العلمَ ، وفُهِمَ من هذا أن العلماءَ إنما هم أهل الخشية " انتهى .
قال ابن عَبَاد في «شرح الحكم » : " واعلم أن العلمَ النافعَ المتفقَ عليه فيما سلف وخلف ؛ إنما هو العلم الذي يؤدي صاحبَه إلى الخوفِ ، والخشيةِ ، وملازمةِ التَّواضُع ، والذَّلَّةِ ، والتخلُّقِ بأخلاق الإيمان ، إلى ما يَتْبَعُ ذلك من بُغْضِ الدنيا ، والزَّهَادَةِ فيها ، وإيثارِ الآخرة عليها ، ولزوم الأدَب بين يَدَيْ اللّه تعالى ، إلى غير ذلك من الصفات العَلِيَّةِ والمَنَاحِي السَّنِيَّة " انتهى .
وهذه المعاني كلها مُحَصَّلة في كتب الغزالي وغيره ؛ رضي اللّه عن جميعهم ، ونفعنا ببركاتهم ، قال صاحب : " الكلم الفارقية " و " الحكم الحقيقية " : " العلم النافعُ ما زَهَّدَك في دنياك ، ورغَّبك في أخراك ، وزادَ في خوفِك وتَقْواك ، وبعثَك على طاعةِ مولاك ، وصَفَّاك مِن كَدَرِ هَوَاك . وقال رحمه اللّه : العلومُ النافعةُ ما كانتْ لِلْهِمَمِ رافعةً ، وللأهواءِ قامِعةً ، وللشكوكِ صَارِفةً دافعةً " انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.