فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ مُخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ كَذَٰلِكَۗ إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰٓؤُاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (28)

{ وَمِنَ الناس والدواب والأنعام مُخْتَلِفٌ ألوانه } قوله : { مختلف } صفة لموصوف محذوف ، أي ومنهم صنف أو نوع أو بعض مختلف ألوانه بالحمرة ، والسواد ، والبياض ، والخضرة ، والصفرة . قال الفراء ، أي خلق مختلف ألوانه كاختلاف الثمرات ، والجبال ، وإنما ذكر سبحانه اختلاف الألوان في هذه الأشياء ، لأن هذا الاختلاف من أعظم الأدلة على قدرة الله ، وبديع صنعه ، ومعنى { كذلك } أي مختلفاً مثل ذلك الاختلاف ، وهو صفة لمصدر محذوف ، والتقدير مختلف ألوانه اختلافاً كائناً كذلك ، أي كاختلاف الجبال والثمار .

وقرأ الزهري : { والدواب } بتخفيف الباء . وقرأ ابن السميفع : { ألوانها } . وقيل : إن قوله { كذلك } متعلق بما بعده ، أي مثل ذلك المطر ، والاعتبار في مخلوقات الله ، واختلاف ألوانها يخشي الله من عباده العلماء ، وهذا اختاره ابن عطية ، وهو مردود بأن ما بعد إنما لا يعمل فيما قبلها . والراجح الوجه الأوّل ، والوقف على { كذلك } تامّ . ثم استأنف الكلام ، وأخبر سبحانه بقوله : { إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء } أو هو من تتمة قوله : { إِنَّمَا تُنذِرُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب } [ فاطر : 18 ] على معنى إنما يخشاه سبحانه بالغيب العالمون به ، وبما يليق به من صفاته الجليلة ، وأفعاله الجميلة ، وعلى كل تقدير ، فهو سبحانه قد عين في هذه الآية أهل خشيته ، وهم العلماء به ، وتعظيم قدرته . قال مجاهد : إنما العالم من خشي الله عزّ وجلّ . وقال مسروق : كفى بخشية الله علماً ، وكفى بالاغترار جهلاً ، فمن كان أعلم بالله كان أخشاهم له . قال الربيع بن أنس : من لم يخش الله ، فليس بعالم . وقال الشعبي : العالم من خاف الله ، ووجه تقديم المفعول أن المقام مقام حصر الفاعلية ، ولو أخر انعكس الأمر . وقرأ عمر بن عبد العزيز برفع الاسم الشريف ، ونصب العلماء ، ورويت هذه القراءة عن أبي حنيفة قال في الكشاف : الخشية في هذه القراءة استعارة ، والمعنى : أنه يجلهم ، ويعظمهم كما يجل المهيب المخشي من الرجال بين الناس ، وجملة : { إِنَّ الله عَزِيزٌ غَفُورٌ } تعليل لوجوب الخشية لدلالته على أنه معاقب على معصيته غافر لمن تاب من عباده .

/خ35