مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ مُخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ كَذَٰلِكَۗ إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰٓؤُاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (28)

ثم قال تعالى : { ومن الناس والدواب والأنعام } استدلالا آخر على قدرته وإرادته ، وكأن الله تعالى قسم دلائل الخلق في العالم الذي نحن فيه وهو عالم المركبات قسمين : حيوان وغير حيوان ، وغير الحيوان إما نبات وإما معدن ، والنبات أشرف ، وأشار إليه بقوله : { فأخرجنا به ثمرات } ثم ذكر المعدن بقوله : { ومن الجبال } ثم ذكر الحيوان وبدأ بالأشرف منها وهو الإنسان فقال : { ومن الناس } ثم ذكر الدواب ، لأن منافعها في حياتها والأنعام منفعتها في الأكل منها ، أو لأن الدابة في العرف تطلق على الفرس وهو بعد الإنسان أشرف من غيره ، وقوله : { مختلف ألوانه } القول فيه كما أنها في أنفسها دلائل ، كذلك في اختلافها دلائل . وأما قوله { مختلف ألوانه } فذكر لكون الإنسان من جملة المذكورين ، وكون التذكير أعلى وأولى .

ثم قال تعالى { إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور } .

الخشية بقدر معرفة المخشى ، والعالم يعرف الله فيخافه ويرجوه . وهذا دليل على أن العالم أعلى درجة من العابد ، لأن الله تعالى قال : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } فبين أن الكرامة بقدر التقوى ، والتقوى بقدر العلم . فالكرامة بقدر العلم لا بقدر العمل ، نعم العالم إذا ترك العمل قدح ذلك في علمه ، فإن من يراه يقول : لو علم لعمل . ثم قال تعالى : { إن الله عزيز غفور } ذكر ما يوجب الخوف والرجاء ، فكونه عزيزا ذا انتقام يوجب الخوف التام ، وكونه غفورا لما دون ذلك يوجب الرجاء البالغ . وقراءة من قرأ بنصب العلماء ورفع الله ، معناها إنما يعظم ويبجل .