محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ مُخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ كَذَٰلِكَۗ إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰٓؤُاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (28)

{ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ } أي اختلافا كذلك ، أي كاختلاف الثمرات والجبال . وقوله تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء } تكملة لقوله تعالى :{[6311]} { إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب } بتعيين من يخشاه عز وجل من الناس بعد بيان اختلاف طبقاتهم ، وتباين مراتبهم . أما في الأوصاف المعنوية فبطريق التمثيل . وأما في الأوصاف الصورية فبطريق التصريح توفية لكل واحدة منهما حقها اللائق بها من البيان . أي إنما يخشاه تعالى بالغيب ، العالمون به عز وجل ، وبما يليق به من صفاته الجليلة وأفعاله الجميلة . لما أن مدار الخشية معرفة المخشيّ والعلم بشؤونه . فمن كان أعلم به تعالى ، كان أخشى منه عز وجل . كما قال{[6312]} عليه الصلاة والسلام : ( أنا أخشاكم لله وأتقاكم له ) . ولذلك عقب بذكر أفعاله الدالة على كمال قدرته . وحيث كان الكفرة بمعزل من هذه المعرفة ، امتنع إنذارهم بالكلية . أفاده أبو السعود .

وقال القاشانيّ : أي ما يخشى الله إلا العلماء العرفاء به . لأن الخشية ليست هي خوف العقاب ، بل هيئة في القلب خشوعية انكسارية عند تصور وصف العظمة واستحضاره لها . / فمن لم يتصور عظمته لم يمكنه خشيته . ومن تجلى الله له بعظمته ، خشيه حق خشيته . وبين الحضور التصوري الحاصل للعالم غير العارف ، وبين التجلي الثابت للعالم العارف - بون بعيد . ومراتب الخشية لا تحصى بحسب مراتب العلم والعرفان . انتهى .

وذكر بعض المفسرين هنا القراءة الشاذة . رفع الاسم الجليل ونصب العلماء . ويتأولون الخشية بالتعظيم استعارة . وربما استشهدوا بقوله :

أهابك إجلالا وما بك قدرة*** عليّ ولكن ملء عين حبيبها

وقد طعن في ( النشر ) في هذه القراءة . والحق له . لمنافاتها للسياق والسباق . وما أغنى المنقحين عن تسود الصحف بمثل هذه الشواذ  ! وبالله التوفيق .

{ إن الله عزيز غفور } أي غالب على كل شيء بعظمته ، غفور لمن تاب وأناب وعمل صالحا .


[6311]:[35/فاطر/18]
[6312]:أخرجه البخاري في:67-كتاب النكاح،1-باب الترغيب في النكاح،حديث رقم 2099 عن أنس بن مالك، قطعه من حديث طويل.