ثم ذكرالحيوان وبدأ بالأشرف منها وهو الإنسان فقال : «ومن الناس » ثم ذكر الدواب ، لأن منافعها في حياتها والأنعام منفعتها في الأكل منها أو لأن الدابة{[45314]} في العرف تُطْلَقُ{[45315]} على الفَرَس وهو بعد الإنسان أشرف من غيره . وقوله : «مختلف ألوانه » القول فيه كما تقدم أنها في أنفسها دلائل كذلك باختلافها دلائل . وقوله : «مختلف ألوانه » مذكراً ؛ لكون الإنسان{[45316]} من جملة المذكور فكان التذكير أولى{[45317]} .
قوله : { كَذَلِكَ } فيه وجهان :
أظهرهما : أنه متعلق بما قبله أي مُخْتَلِفٌ اخْتِلاَفاً مِثْلَ{[45318]} الاختلاف في الثَّمرات والجُدَد والوقف على «كَذَلِكَ »{[45319]} .
والثاني : أنه متعلق بما بعده والمعنى مثل ذلك المطر والاعتبار بمَخْلُوقات{[45320]} الله واختلاف ألوانها يخشى اللَّهَ العلماءُ . وإلى هذا نحا ابنُ عَطِيَّةَ{[45321]} . وهو فاسد من حيث إن ما بعد «إنَّمَا » مانع من العمل فيها قبلها{[45322]} وقد نَصَّ أبو عمرو الدَّانِيُّ{[45323]} على أن الوقف على «كذلك » تام . ولم يحك فيه خِلاَفاً{[45324]} .
قوله : { إِنَّمَا يَخْشَى الله } العامة على نصب الجلالهِ ورفع «العلماء » وهي واضحة . وقرأ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزَ وأَبُو حَنِيفَةَ - فيما نقله الزمخشريّ{[45325]} - وأبو حيوة - فيما نقله الهذلي{[45326]} في كامله - بالعكس . وتُؤُوِّلَتْ على معنى التعظيم أي إنما يعظم اللَّهُ من عباده العلماء وهذه القراءة شبيهة بقراءة : «وإذا ابْتَلَى إبْرَاهِيمُ رَبَّهُ » برفع إبْرَاهِيمَ ونصب «رَبَّهُ »{[45327]} .
قال ابن عباس{[45328]} : إنما يخافُني مِنْ خَلْقي من عَلِمَ جَبَرُوتِي وعِزَّتِي وسُلْطَاني . واعلم أنَّ الخشيبة بقدرمعرفة المخشي والعالم يعرف الله فيخافه ويرجوه . وهذا دليل على أنَّ العالمَ أعلى درجةً من العابد ؛ لقوله تعالى : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ } [ الحجرات : 13 ] بين أن الكرامة بقدر التقوى والتقوى بقدر العلم لا بقدر العمل قال - عليه ( الصلاة و ) السلام- : «وَاللَّهِ إنِّي لأَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّكُمْ لَهُ خَشْيَةً »{[45329]} وقال - عليه ( الصلاة{[45330]} و ) السلام- : «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً »{[45331]} وقال مسروق : كفى بخشية عِلماً وكفى بالاغترار{[45332]} بالله جهلاً . ثم قال : { إِنَّ الله عَزِيزٌ غَفُورٌ } أي عزيز في ملكه غفور لذنوب عباده فذكر ما يوجب الخوف والرجاء فكونه عزيزاً يوجب الخوف{[45333]} التام وكونه غفورا لما دون ذلك يوجب{[45334]} الرجاء البالغ . وقراءة من قرأ بنصب العلماء ورفع الجلالة تقدَّم معناه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.