قوله عز وجل :{ والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر } الآية . أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، أنبأنا هشام بن يوسف أنبأنا بن جريج أخبرهم قال : قال يعلى وهو يعلى بن مسلم ، أنبأنا سعيد بن جبير ، أخبره عن ابن عباس أن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا فأتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا بأن لما عملنا كفارة ، فنزل والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر { ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون } ونزل { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا جرير عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عمرو بن شرحبيل قال : قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رجل : يا رسول الله أي الذنب أكبر عند الله ؟ قال : " أن تدعو لله نداً وهو خلقك قال : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك ، قال : ثم أي ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك ، فأنزل الله تصديقها : { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً } . قوله عز وجل : { ومن يفعل ذلك } أي : شيئاً من هذه الأفعال ، { يلق أثاماً } يوم القيامة . قال ابن عباس رضي الله عنهما : إنما يريد جزاء الإثم . وقال أبو عبيدة : الأثام : العقوبة . وقال مجاهد : الأثام : واد في جهنم ، يروى ذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، ويروى في الحديث : " الغي والآثام بئران يسيل فيهما صديد أهل النار " .
هذا قسم آخر من صفات عباد الرحمان ، وهو قسم التخلّي عن المفاسد التي كانت ملازمة لقومهم من المشركين ؛ فتنزه عباد الرحمن عنها بسبب إيمانهم ، وذكر هنا تنزههم عن الشرك وقتل النفس والزنا ، وهذه القبائح الثلاث كانت غالبة على المشركين .
ووَصْفُ النفس ب { التي حرم الله } بيانٌ لحُرمة النفس التي تقررت من عهد آدم فيما حكى الله من محاورة ولدَيْ آدم بقوله { قال لأقتلنّك } [ المائدة : 27 ] الآيات ، فتقرر تحريم قتل النفس من أقدم أزمان البشر ولم يجهله أحد من ذرية آدم ، فذلك معنى وصف النفس بالموصول في قوله { التي حرم الله } . وكان قتل النفس متفشياً في العرب بالعداوات ، والغارات ، وبالوأْد في كثير من القبائل بناتهم ، وبالقتل لفرط الغَيرة ، كما قال امرؤ القيس :
تجاوزتُ أحراساً إليها ومعشراً *** عليَّ حراصاً لو يُسِرُّون مقتلي
عُلّقْتُها عَرضاً وأقتُلُ قومها *** زعماً لعمرُ أبيك ليس بمزعم
وقوله { إلا بالحق } المراد به يومئذ : قتل قاتل أحدهم ، وهو تهيئة لمشروعية الجهاد عقب مدة نزول هذه السورة . ولم يكن بيد المسلمين يومئذ سلطان لإقامة القصاص والحدود . ومضى الكلام على الزنا في سورة سبحان .
وقد جُمع التخلّي عن هذه الجرائم الثلاث في صلة موصول واحد ولم يكرر اسم الموصول كما كرّر في ذكر خصال تحلّيهم ، للإشارة إلى أنهم لما أقلعوا عن الشرك ولم يَدْعُوا مع الله إلهاً آخر فقد أقلعوا عن أشد القبائح لصوقاً بالشرك وذلك قتل النفس والزِنا . فجعل ذلك شَبيهَ خصلةٍ واحدة ، وجُعل في صلة موصول واحد .
وقد يكون تكرير { لا } مجزئاً عن إعادة اسم الموصول وكافياً في الدلالة على أن كل خصلة من هذه الخصال موجبة لمضاعفة العذاب ، ويؤيدّه ما في « صحيح مسلم » من حديث عبد الله بن مسعود قال : قلت يا رسول الله أيُّ الذنب أكبر ؟ قال : " أن تدعوَ لله نِدًّا وهو خَلَقَك . قلتُ : ثم أيُّ ؟ قال : أن تقتل ولدك خِيفةَ أن يطْعَم معَك . قلت : ثم أيّ : قال : أن تُزانيَ حليلةَ جارك " فأنزل الله تعالى تصديقها { والذين لا يدعون مع الله إلها آخراً } إلى { أثاماً } ، وفي رواية ابن عطية ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية .
وقد علمت أن هذه الآيات الثلاث إلى قوله { غفوراً رحيماً } [ الفرقان : 68 70 ] قيل نزلت بالمدينة .
والإشارة ب { ذلك } إلى ما ذكر من الكبائر على تأويله بالمذكور ، كما تقدم في نظيره آنفاً . والمتبادر من الإشارة أنها إلى المجموع ، أي من يفعل مجموع الثلاث . ويُعلم أن جزاء من يفعل بعضها ويترك بعضاً عدا الإشراك دون جزاء من يفعل جميعها ، وأنَّ البعض أيضاً مراتب ، وليس المراد من يفعل كل واحدة مما ذكر يلقَ آثاماً لأن لُقِيَّ الآثام بُيّن هنا بمضاعفة العذاب والخلودِ فيه .
وقد نهضتْ أدلةٌ متظافرة من الكتاب والسنة على أن ما عدا الكفر من المعاصي لا يوجب الخلود ، مما يقتضي تأويلَ ظواهر الآية .
ويجوز أن تكون مضاعفة العذاب مستعملة في معنى قوته ، أي يعذب عذاباً شديداً وليست لتكرير عذاب مقدر .
والآثام بفتح الهمزة جزاء الإثم على زنة الوَبال والنَكال ، وهو أشد من الإثم ، أي يجازى على ذلك سُوءاً لأنها آثام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.