التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَٱلَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقۡتُلُونَ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَا يَزۡنُونَۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ يَلۡقَ أَثَامٗا} (68)

قوله تعالى : { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ( 68 ) يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا ( 69 ) إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ( 70 ) ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا ( 71 ) } روي في سبب نزول هذه الآيات عن ابن عباس أن ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا ، ثم أتوا محمدا عليه الصلاة والسلام فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن . لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزلت ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ) إلى قوله : ( غفورا رحيما ) {[3353]} .

وروى الإمام أحمد بسنده عن عبد الله بن مسعود قال : سئل رسول الله ( ص ) أي الذنب أكبر ؟ قال : " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " قال : ثم أي ؟ قال : " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك " قال : ثم أي ؟ قال : " أن تزاني حليلة جارك " قال عبد الله : وأنزل الله تصديق ذلك ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ) الآيات{[3354]} . على أن كبرى الصفات المميزة لعباد الله المؤمنين : أنهم يعبدون الله وحده لا يشركون به شيئا . ذلك أن الشرك ظلم فادع ومريع ومهلك ؛ إذ يفضي بالمشرك الظلوم إلى جهنم ليجد مقامه فيها خالدا مع الخالدين . ومن صفاتهم أيضا أنهم ( لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ) فقتل النفس المؤمنة البريئة ظلما يأتي في غاية البشاعة والنكر من الموبقات ؛ فإنه لا يجترئ على قتل المؤمنين الأبرياء إلا المجرمون وأكابر العصاة الفاسقين الذين تحل بهم اللعائن من الله وملائكته قبل أن يُصار بهم إلى جهنم وبئس المصير .

ثم استثنى من التحريم ما كان بالحق ؛ أي بما يحق أن يقتل به النفوس ، من قود ، أو كفر بعد إيمان وهو الارتداد عن ملة الإسلام ، أو زنا بعد إحصان . وفي ذلك روى البيهقي وأبو داود عن عبد الله قال : قال رسول الله ( ص ) : " لا يحل دم امرئ يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا أحد ثلاثة نفر : النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، والتارك لدينه المفارق للجماعة " .

قوله : ( ولا يزنون ) من صفات المؤمنين مجانبتهم للزنا ؛ فهم لا يستحلون الفروج بغير نكاح مثلما كان يفعل الجاهليون ؛ إذ كانوا لا يعبأون بكيفية الوطء وإنما يعبأون بفعله سواء كان من نكاح أو من سفاح . لكن الإسلام نهى عن هذه المعصية النكراء وشدد عليها التنديد والنكير بأنها فاحشة ، وأنها صورة مقبوحة من السلوك القذر الذي يفضي إلى تدمير البيوت والأسر وإفساد المياه والأنساب ، وإشاعة الظنون والفوضى بين الناس . ولهذا ثبت في حد الزنا القتل لمن كان محصنا ، والجلد مائة جلدة لمن كان غير محصن .

قوله : ( ومن يفعل ذلك يلق أثاما ) جاء في تأويل الأثام عدة أقوال . فقد قيل : الأثام ، جزاء الإثم . وقيل : الأثام والإثم بمعنى واحد . أي جزاء الأثام . وقيل : الأثام اسم من أسماء جهنم ، أو واد في جهنم .


[3353]:- أسباب النزول للنيسابوري ص 226.
[3354]:- تفسير ابن كثير جـ 3 326