معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَا تَقُمۡ فِيهِ أَبَدٗاۚ لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ يَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِۚ فِيهِ رِجَالٞ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ} (108)

قوله تعالى : { لا تقم فيه أبداً } ، قال ابن عباس : لا تصل فيه منع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصلي في مسجد الضرار . { لمسجد أسس على التقوى } ، اللام لام الابتداء . وقيل : لام القسم ، تقديره : والله لمسجد أسس ، أي : بني أصله على التقوى ، { من أول يوم } ، أي : من أول يوم بني ووضع أساسه ، { أحق أن تقوم فيه } ، مصلياً . واختلفوا في المسجد الذي أسس على التقوى : فقال ابن عمر ، وزيد بن ثابت ، وأبو سعيد الخدري : هو مسجد المدينة ، مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، والدليل عليه : ما أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، ثنا محمد بن عيسى الجلودي ، ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، ثنا مسلم بن الحجاج ، ثنا محمد بن حاتم ، ثنا يحيى بن سعيد ، عن حميد الخراط قال : سمعت أبا سلمة عبد الرحمن قال : مر بي عبد الرحمن بن أبي سعيد ، قال : فقلت له : كيف سمعت أباك يذكر في المسجد الذي أسس على التقوى ؟ فقال : قال أبي : " دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه فقلت : يا رسول الله أي المسجدين الذي أسس على التقوى ؟ قال : فأخذ كفا من الحصباء فضرب به الأرض ، ثم قال :هو مسجدكم هذا ، مسجد المدينة ، قال : فقلت : أشهد أني سمعت أباك هكذا يذكره " .

وأخبرنا أبو الحسن الشيرازي ، أنبأنا زاهر بن أحمد ، أنبأنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنبأنا أبو مصعب ، عن مالك عن حبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على حوضي " . وذهب قوم إلى أنه مسجد قباء ، وهو رواية عطية عن ابن عباس ، وهو قول عروة بن الزبير وسعيد بن جبير وقتادة .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا موسى بن إسماعيل ، ثنا عبد العزيز بن مسلم ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء كل سبت ماشياً وراكباً ، وكان عبد الله بن عمر يفعله . وزاد نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فيصلي فيه ركعتين " . قوله تعالى : { فيه رجال يحبون أن يتطهروا } ، من الأحداث والجنابات والنجاسات ، وقال عطاء : كانوا يستنجون بالماء ولا ينامون بالليل على الجنابة . أخبرنا أبو طاهر عمر بن عبد العزيز القاشاني ، أنبأنا أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي ، أنبأنا أبو علي محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي ، ثنا أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني ، أخبرنا محمد بن العلاء حدثنا معاوية بن هشام ، عن يونس بن الحارث ، عن إبراهيم بن أبي ميمونة ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " نزلت هذه الآية في أهل قباء " : { فيه رجال يحبون أن يتطهروا } قال : { كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية } . { والله يحب المطهرين } ، أي المتطهرين .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَا تَقُمۡ فِيهِ أَبَدٗاۚ لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ يَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِۚ فِيهِ رِجَالٞ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ} (108)

{ لا تقم فيه أبدا } للصلاة . { لمسجد أُسّس على التقوى } يعني مسجد قباء أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى فيه أيام مقامه بقباء من الاثنين إلى الجمعة لأنه أوفق للقصة ، أو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أبي سعيد رضي الله عنه : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فقال هو مسجدكم هذا مسجد المدينة " . { من أول يوم } من أيام وجوده ومن يعم الزمان والمكان كقوله :

لمن الديار بقُنة الحجر *** أقوين من حجَجِ ومن دهرِ

{ أحق أن تقوم فيه } أولى بأن تصلي فيه . { فيه رجال يحبّون أن يتطهّروا } من المعاصي والخصال المذمومة طلبا لمرضاة الله سبحانه وتعالى ، وقيل من الجنابة فلا ينامون عليها . { والله يحب المطّهّرين } يرضى عنهم ويدنيهم من جنابه تعالى إدناء المحب حبيبه . قيل لما نزلت مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه المهاجرون حتى وقف على باب مسجد قباء فإذا الأنصار جلوس فقال عليه الصلاة والسلام : " أمؤمنون أنتم " فسكتوا . . فأعادها فقال عمر : إنهم مؤمنون وأنا معهم ، فقال عليه الصلاة والسلام : " أترضون بالقضاء ؟ قالوا : نعم . قال عليه الصلاة والسلام : " أتصبرون على البلاء " قالوا : نعم ، قال : " أتشكرون في الرخاء " ؟ قالوا : نعم . فقال صلى الله عليه وسلم : " أنتم مؤمنون ورب الكعبة " . فجلس ثم قال : " يا معشر الأنصار إن الله عز وجل قد أثنى عليكم فما الذي تصنعون عند الوضوء وعند الغائط " ؟ فقالوا : يا رسول الله نتبع الغائط الأحجار الثلاثة ثم نتبع الأحجار الماء فتلا النبي : { فيه رجال يحبون أن يتطهروا } .