النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{لَا تَقُمۡ فِيهِ أَبَدٗاۚ لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ يَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِۚ فِيهِ رِجَالٞ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ} (108)

{ لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً } أي لا تصلِّ فيه أبداً ، يعني مسجد الشقاق والنفاق فعند ذلك أنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم وعاصم بن عدي فقال : انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه .

فذهبا إليه وأخذا سعفاً وحرقاه . وقال ابن جريج : بل انهار المسجد في يوم الاثنين ولم يُحرَّق .

{ لمَسْجِدٌ أسِسَّ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أنْ تَقُومَ فِيهِ } وفيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، قاله أبو سعيد الخدري ورواه مرفوعاً .

الثاني : أنه مسجد قباء ، قاله الضحاك وهو أول مسجد بني في الإسلام ، قاله ابن عباس وعروة بن الزبير وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك .

الثالث : أنه كل مسجد بني في المدينة أسس على التقوى ، قاله محمد بن كعب { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : من المسجد الذي أسس على التقوى رجال يحبون أن يتطهروا من الذنوب والله يحب المتطهرين منها بالتوبة ، قاله أبو العالية .

والثاني : فيه رجال يحبون أن يتطهروا من البول والغائط بالاستنجاء بالماء . والله يحب المتطهرين بذلك .

روى أبو أيوب الأنصاري وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار عند نزول هذه الآية : " يَا مَعْشَرَ الأَنصَارِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنى عَلَيكُم خَيراً فِي الطَّهُورَ{[1288]} فَمَا طَهُورُكُم هَذَا " قالوا : يا رسول الله نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فَهَلْ مَعَ ذلِكَ غَيرُهُ ؟ " قالوا لا ، غير أن أحدنا إذا خرج إلى الغائط أحب أن يستنجي بالماء ، فقال : " هُوَ ذلِكَ فَعَلَيكُمُوهُ " الثالث : أنه عني المتطهرين عن إتيان النساء في أدبارهن ، وهو مجهول ، قاله مجاهد .


[1288]:رواه ابن مردويه من طريق ابن عباس كما ذكر ابن حجر في تخريج أحاديث تفسير الكشاف كما رواه ابن ماجه في الطهارة 28.