التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{لَا تَقُمۡ فِيهِ أَبَدٗاۚ لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ يَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِۚ فِيهِ رِجَالٞ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ} (108)

ثم نهى الله - تعالى - ورسوله والمؤمنين عن الصلاة في هذا المسجد نهيا مؤكداً فقال - سبحانه - : { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً } .

أى : لا تصل . أيها الرسول الكريم . في هذا المسجد في أى وقت من الأوقات لأنه لم يبين لعبادة الله ، وإنما بنى للشقاق والنفاق .

قال القرطبى : قوله - تعالى - { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً } يعنى مسجد الضرار . لا تقم فيه للصلاة ، وقد يعبر عن الصلاة بالقيام . يقال : فلان يقوم الليل أى : يصلى ، ومنه الحديث الصحيح : " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " .

وقد روى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت هذه الآية كان لا يمر بالطريق التي فيها هذا المسجد ، وأمر بموضعه أن يتخذ كناسة تلقى فيها الجيف والأقذار . .

وقوله : { لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التقوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ } جملة مسوقة لمدح مسجد قباء وتشريفه .

أى : لمسجد بنى أساسه ، ووضعت قواعده لعى تقوى الله وإخلاص العبادة له منذ أول يوم بدئ في بنائه ، أحق أن تقوم للصلاة فيه من غيره .

قال الآلوسى ما ملخصه : واللام في قوله " لمسجد " إما للابتداء أو للقسم . أى : والله لمسجد ، وعلى التقديرين فمسجد مبتدأ ، والجملة بعده صفته ، وقوله { أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ } خبر المبتدأ : " وأحق " أفعل تفضيل ، والمفضل عليه كل مسجد . أو مسجد الضرار على الفرض والتقدير ، أو على زعمهم ، وقيل إنه بمعنى حقيق ، أى : ذلك المسجد بأن تصلى فيه . .

وقوله : { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ والله يُحِبُّ المطهرين } جملة مسوقة لتكريم رواد هذا المسجد ومديحهم .

أى : في هذا المسجد رجال أتقياء الظاهر والباطن ، إذهم يحبون الطهارة من كل رجس حسى ومعنوى ، ومن كان كذلك أحبه الله ورضى عنه .

/خ110