الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{لَا تَقُمۡ فِيهِ أَبَدٗاۚ لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ يَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِۚ فِيهِ رِجَالٞ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ} (108)

ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ } اللام فيه لام الابتداء والقسم تقديره والله لمسجد { أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى } أى بني أصله وابتدئ بناؤه { مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ } أي من أول يوم بني ، وقيل معناه : منذ أول يوم وضع أساسه . قال المبرد : قيل في معنى البيت من حج وامن دهر . أي من هو حج وأمن دهر ، وأنشأ زهير :

لمن الديار بقنة الحجر *** أقوين من حج ، ومن دهر

منذ حج ومنذ دهر . { أَحَقُّ } أولى { أَن تَقُومَ فِيهِ } مصلياً ، واختلفوا في المسجد الذي أسس على التقوى ما هو ؟ فقال قوم : هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فيه منبره وقبره .

أخبرنا عبد الله بن حامد وأخبرنا العبدي . حدثنا أحمد بن نجدة ، حدثنا الجماني ، حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عثمان بن عبد الله بن ابي رافع عن ابن عمر وزيد بن ثابت وأبي سعيد الخدري قالوا : المسجد الذي أسس على التقوى مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . يدل عليه ما روى حميد الخراط " عن ابي سلمة بن عبد الرحمن ، أن عبد الرحمن حدثه أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه قال : فقلت : يا رسول الله اي المسجد الذي أسس على التقوى ؟ فأخذَ كفّاً من الحصى فضرب به الأرض . ثم قال : هو مسجدكم هذا مسجد المدينة " .

وروى أنس بن ابي يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري : هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال العوفي : هو مسجد قبا ، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال : هو هذا ، يعني مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) .

قال ابن يزيد وابن زيد وعروة بن الزبير : هو مسجد قبا ، وهي رواية علي بن أبي طلحة وعطية عن ابن عباس .

{ فِيهِ } ومن حضر { رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ } من الأحداث والنجاسات بالماء ، قال الكلبي : هو غسل الأدبار بالماء ، وقال عطاء : كانوا يستنجون بالماء لاينامون بالليل على الجنابة .

يروى " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأهل قبا لما نزلت هذه الآية :إن الله عزّ وجلّ قد أثنى عليكم في الطهور فما هو ؟ قالوا : إنا نستنجي بالماء " .

{ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } اي المتطهرين فأدغمت التاء في الطاء لقرب مخرجيهما .

قال يزيد بن عجرة : " أتت الحمّى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورة جارية سوداء فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أنت ؟ " قالت : أم ملدم انشف الدم ، وآكل اللحم وأُصفر الوجه وأُرقق العظم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم " فاقصدي الأنصار فإن لهم علينا حقوقاً " فَحُمّ الأنصار .

فلما كان الغد قال : " ما للأنصار ؟ " قال : فحموا عن آخرهم . فقال : " قوموا بنا نعودهم " فعادهم وجعل يقول : " أبشروا فإنها كفارة وطهور " .

قالوا : يا رسول الله ادعوا الله أن يديمها علينا [ أعواماً ] حتى تكون كفّارة لذنوبنا ، فأنزل الله تعالى عليهم { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ } بالحمى عن معاصيهم { وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } من الذنوب .