الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{لَا تَقُمۡ فِيهِ أَبَدٗاۚ لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ يَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِۚ فِيهِ رِجَالٞ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ} (108)

{ لَّمَسْجِدٌ أُسّسَ عَلَى التقوى } قيل : هو مسجد قباء أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى فيه أيام مقامه بقباء ، وهي يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس ، وخرج يوم الجمعة ، وهو أولى ، لأنّ الموازنة بين مسجدي قباء أوقع . وقيل : هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، وعن أبي سعيد الخدري :سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الذي أسس على التقوى ، فأخذ حصباء فضرب بها الأرض وقال : " هو مسجدكم هذا مسجد المدينة " { مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ } من أول يوم من أيام وجوده { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ } قيل : لما نزلت مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه المهاجرون حتى وقف على باب مسجد قباء ، فإذا الأنصار جلوس فقال : أمؤمنون أنتم ؟ فسكت القوم ، ثم أعادها : فقال عمر : يا رسول الله إنهم لمؤمنون وأنا معهم . فقال صلى الله عليه وسلم : «أترضون بالقضاء ؟ » قالوا : نعم ، قال : «أتصبرون على البلاء ؟ » قالوا : نعم . قال : «أتشكرون في الرخاء ؟ » قالوا : نعم . قال صلى الله عليه وسلم : «مؤمنون ورب الكعبة » . فجلس ثم قال : يا معشر الأنصار ، إنّ الله عزّ وجلّ قد أثنى عليكم فما الذي تصنعون عند الوضوء وعند الغائط ، فقالوا : يا رسول الله ، نتبع الغائط الأحجار الثلاثة ، ثم نتبع الأحجار الماء . فتلا النبي صلى الله عليه وسلم : { رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ } . وقرىء ؛ «أن يطهروا » بالإدغام . وقيل : هو عام في التطهر من النجاسات كلها . وقيل : كانوا لا ينامون الليل على الجنابة ، ويتبعون الماء أثر البول . وعن الحسن : هو التطهر من الذنوب بالتوبة . وقيل : يحبّون أن يتطهروا بالحمى المكفرة لذنوبهم ، فحموا عن آخرهم .

فإن قلت : ما معنى المحبتين ؟ قلت : محبتهم للتطهر أنهم يؤثرونه ويحرصون عليه حرص المحبّ للشيء المشتهى له على إيثاره . ومحبة الله تعالى إياهم : أنه يرضى عنهم ويحسن إليهم ، كما يفعل المحبّ بمحبوبه .