مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{لَا تَقُمۡ فِيهِ أَبَدٗاۚ لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ يَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِۚ فِيهِ رِجَالٞ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ} (108)

{ لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا } للصلاة { لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التقوى } اللام للابتداء و { أُسِّسَ } نعت له وهو مسجد قباء أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى فيه أيام مقامه بقباء أو وهي يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وخرج يوم الجمعة ، مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة { مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ } من أيام وجوده . قيل : القياس فيه مذ ، لأنه لابتداء الغاية في الزمان ، و «من » لابتداء الغاية في المكان ، والجواب إن من عام في الزمان والمكان { أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ } مصلياً { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ والله يُحِبُّ المطهرين } قيل : لما نزلت مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه المهاجرون حتى وقفوا على باب مسجد قباء ، فإذا لأنصار جلوس فقال :

« أمؤمنون أنتم ؟ » فسكت القوم . ثم أعادها فقال عمر : يا رسول الله إنهم لمؤمنون وأنا معهم ، فقال عليه السلام : « أترضون بالقضاء » قالوا : نعم . قال : « أتصبرون على البلاء ؟ » قالوا : نعم . قال : « أتشكرون في الرخاء ؟ » قالوا : نعم . قال عليه السلام : « مؤمنون أنتم ورب الكعبة » فجلس ثم قال : « يا معشر الأنصار إن الله عز وجل قد أثنى عليكم فما الذي تصنعون عند الوضوء وعند الغائط ؟ » فقالوا : يا رسول الله نتبع الغائط الأحجار الثلاثة ثم نتبع الأحجار الماء فتلا النبي عليه السلام : { رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ } قيل : هو عام في التطهر عن النجاسات كلها . وقيل : هو التطهر من الذنوب بالتوبة . ومعنى محبتهم للتطهر أنهم يؤثرونه ويحرصون عليه حرص المحب للشيء ، ومعنى محبة الله إياهم أنه يرضى عنهم ويحسن إليهم كما يفعل المحب بمحبوبه .