قوله تعالى : { وإن تعجب فعجب قولهم } ، العجب تغير النفس برؤية المستبعد في العادة ، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعناه : إنك إن تعجب من إنكارهم النشأة الآخرة مع إقرارهم بابتداء الخلق من الله عز وجل فعجب أمرهم . وكان من المشركون ينكرون البعث ، مع إقرارهم بابتداء الخلق من الله تعالى ، وقد تقرر في القلوب أن الإعادة أهون من الابتداء ، فهذا موضع العجب . وقيل : معناه : وإن تعجب من تكذيب المشركين واتخاذهم ما لا يضر ولا ينفع آلهة يعبدونها وهم قد رأوا من قدرة الله تعالى ما ضرب لهم به الأمثال فعجب قولهم ، أي : فتعجب أيضا من قولهم : { أئذا كنا ترابا } ، بعد الموت ، { أئنا لفي خلق جديد } ، أي : نعاد خلقا جديدا كما كنا قبل الموت .
قرأ نافع والكسائي ويعقوب أئذا مستفهما إنا بتركه ، على الخبر ، ضده : أبو جعفر وابن عامر . وكذلك في سبحان في موضعين ، والمؤمنون ، وآلم السجدة ، وقرأ الباقون بالاستفهام فيهما وفي الصافات في موضعين هكذا إلا إن أبا جعفر يوافق نافعا في أول الصافات فيقدم الاستفهام ويعقوب لا يستفهم الثانية { أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما إنا لمدينون } [ الصافات-53 ] . قال الله تعالى : { أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم } ، يوم القيامة { وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } .
يقول تعالى لرسوله محمد ، صلوات الله وسلامه عليه : { وَإِنْ تَعْجَبْ } من تكذيب هؤلاء المشركين بأمر المعاد مع ما يشاهدونه من آيات الله سبحانه ودلالاته في خلقه على أنه القادر على ما يشاء ، ومع ما يعترفون{[15443]} به من أنه ابتدأ خلق الأشياء ، فكونها بعد أن لم تكن شيئا مذكورا ، ثم هم بعد هذا يكذبون خبره في أنه سيعيد العالمين خلقا جديدا ، وقد اعترفوا وشاهدوا ما هو أعجب مما كذبوا به ، فالعجب من قولهم : { أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } وقد علم كل عالم وعاقل أن خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ، وأن من بدأ الخلق فالإعادة سهلة عليه ، كما قال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
ثم نعت المكذبين بهذا فقال : { أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الأغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ } أي : يسحبون بها في النار ، { وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أي : ماكثون فيها أبدا ، لا يحولون عنها ولا يزولون .
{ وإن تعجب } يا محمد من إنكارهم البعث . { فعجب قولهم } حقيق بأن يتعجب منه فإن من قدر على إنشاء ما قص عليك كانت الإعادة أيسر شيء عليه ، والآيات المعدودة كما هي دالة على وجود المبدأ فهي دالة على إمكان الإعادة من حيث إنها تدل على كمال علمه وقدرته وقبول المواد لأنواع تصرفاته . { أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد } بدل من قولهم أو مفعول له ، والعامل في إذا محذوف دل عليه : { أئنا لفي خلق جديد } . { أولئك الذين كفروا بربهم } لأنهم كفروا بقدرته على البعث . { وأولئك الأغلال في أعناقهم } مقيدون بالضلال لا يرجى خلاصهم أو يغلون يوم القيامة . { وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } لا ينفكون عنها ، وتوسيط الفصل لتخصيص الخلود بالكفار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.