ولما ذكر تعالى الدلائل القاهرة الدالة على معرفة المبدأ ذكر بعده ما يدل على المعاد بقوله تعالى : { وإن تعجب } ، أي : يا أكرم الخلق من تكذيب الكفار لك بعد أن كنت تعرف عندهم بالصادق الأمين { فعجب } ، أي : فحقيق أن يتعجب منه { قولهم } ، أي : منكري البعث { أئذا كنا تراباً } ، أي : بعد الموت { أئنا لفي خلق جديد } ، أي : خلق بعد الموت كما كنا قبله ، ولم يعلموا أنّ القادر على إنشاء الخلق وما تقدّم على غير مثال قادر على إعادتهم . وقيل : وإن تعجب من اتخاذ المشركين ما لا يضرّهم ولا ينفعهم آلهة يعبدونها مع إقرارهم بأنّ الله تعالى خلق السماوات ، والأرض ، وهو يضر وينفع ، وقد رأوا قدرة الله تعالى وما ضرب لهم به الأمثال فعجب قولهم ذلك ، والعجب تغير النفس برؤية المستبعد في العادة ، وقال المتكلمون : العجب هو الذي لا يعرف سببه ، وذلك في حق الله تعالى محال ؛ لأنه تعالى علام الغيوب لا تخفى عليه خافية ، وقرأ أبو عمرو وخلاد والكسائي بإدغام الباء في الفاء ، والباقون بالإظهار .
تنبيه : هنا آيتان في كل منهما همزتان ، فقرأ قالون بتحقيق الهمزة الأولى وتسهيل الهمزة الثانية ، ويدخل بينهما ألفاً على الاستفهام ، وفي الآية الثانية بهمزة مكسورة وبعدها نون مشددة على الخبر ، وورش كذلك إلا أنه لا يدخل بين الهمزتين في أئذا ألفاً وينقل في الثاني على أصله ، وابن كثير يقرأ بالاستفهام فيهما من غير إدخال ألف بين الهمزتين مع تحقيق الأولى وتسهيل الثانية فيهما ، وأبو عمرو كذلك مع إدخال ألف بينهما ، وابن عامر في الأول بهمزة مكسورة بعدها ذال مفتوحة على الخبر ، وفي الثاني بهمزة مفتوحة محققة وهمزة مكسورة محققة على الاستفهام ، وأدخل هشام بينهما ألفاً بخلاف عنه ، والباقون بهمزتين محققتين الأولى مفتوحة ، والثانية مكسورة ولا ألف بينهما في الموضعين .
فائدة : جميع ما في القرآن من ذلك أحد عشر موضعاً في تسع سور ، والأحد عشر مكرّرة فتصير اثنين وعشرين ، في هذه السورة موضع ، والثاني والثالث في سورة الإسراء ، والرابع في المؤمنون ، والخامس في النمل ، والسادس في العنكبوت ، والسابع في السجدة ، والثامن والتاسع في الصافات ، والعاشر في الواقعة ، والحادي عشر في النازعات . وأذكر إن شاء الله تعالى في كل سورة من السور المذكورة مذهبهم في محله .
{ أولئك } ، أي : الذين جمعوا أنواعاً من البعد من كل خير { الذين كفروا بربهم } ، أي : غطوا ما يجب إظهاره بسبب الاستهانة بالذي بدأ خلقهم ، ثم رباهم بأنواع اللطف ، فإذا أنكروا معادهم فقد أنكروا بدأهم { وأولئك } البعداء البغضاء { الأغلال } يوم القيامة { في أعناقهم } بسبب كفرهم ، والغل : طوق من حديد تقيد به اليد في العنق ، وقيل : المراد بالأغلال ذلهم وانقيادهم يوم القيامة كما يقاد الأسير الذليل بالغل ، وقيل : إنهم مقيدون بالضلال لا يرجى فلاحهم . { وأولئك } ، أي : الذين لا خسارة أعظم من خسارتهم { أصحاب النار هم فيها خالدون } ، أي : ثابت خلودهم دائماً لا يخرجون منها ولا يموتون . ولما كان صلى الله عليه وسلم يهدّدهم تارة بعذاب يوم القيامة وتارة بعذاب الدنيا ، والقوم كلما هدّدهم بعذاب يوم القيامة أنكروا القيامة والبعث والحشر والنشر ، وهو الذي تقدّم ذكره في الآية الأولى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.