فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞وَإِن تَعۡجَبۡ فَعَجَبٞ قَوۡلُهُمۡ أَءِذَا كُنَّا تُرَٰبًا أَءِنَّا لَفِي خَلۡقٖ جَدِيدٍۗ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ ٱلۡأَغۡلَٰلُ فِيٓ أَعۡنَاقِهِمۡۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (5)

قوله : { وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ } أي : إن تعجب يا محمد من تكذيبهم لك بعد ما كنت عندهم من الصادقين فأعجب منه تكذيبهم بالبعث ، والله تعالى لا يجوز عليه التعجب ؛ لأنه تغير النفس بشيء تخفى أسبابه وإنما ذكر ذلك ليعجب منه رسوله وأتباعه . قال الزجاج : أي هذا موضوع عجب أيضاً أنهم أنكروا البعث ، وقد بين لهم من خلق السماوات والأرض ما يدل على أن البعث أسهل في القدرة . وقيل : الآية في منكري الصانع ، أي : إن تعجب من إنكارهم الصانع مع الأدلة الواضحة بأن المتغير لا بدّ له من مغير ، فهو محل التعجب ، والأول أولى لقوله : { أإذا كنا تراباً أئنا لفي خلق جديد } وهذه الجملة في محل رفع على البدلية من { قولهم } ، ويجوز أن تكون في محل نصب على أنها مقول القول ، والعجب على الأول كلامهم ، وعلى الثاني تكلمهم بذلك ، والعامل في «إذا » ما يفيده قوله : { أإنا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } وهو نبعث أو نعاد ، والاستفهام منهم للإنكار المفيد لكمال الاستبعاد ، وتقديم الظرف في قوله : { لَفِي خَلْقٍ } لتأكيد الإنكار بالبعث ، وكذلك تكرير الهمزة في قوله : " أإنا " . ثم لما حكى الله سبحانه ذلك عنهم حكم عليهم بأمور ثلاثة : الأول : { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبّهِمْ } أي : أولئك المنكرون لقدرته سبحانه على البعث : هم المتمادون في الكفر الكاملون فيه ، والثاني { وَأُوْلَئِكَ الأغلال فِي أعناقهم } الأغلال : جمع غلّ ، وهو طوق تشد به اليد إلى العنق ، أي : يغلون بها يوم القيامة ، وقيل : الأغلال أعمالهم السيئة التي هي لازمة لهم لزوم الأطواق للأعناق . والثالث : { وَأُوْلئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون } لا ينفكون عنها بحال من الأحوال ، وفي توسيط ضمير الفصل دلالة على تخصيص الخلود بمنكري البعث .

/خ11