جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{۞وَإِن تَعۡجَبۡ فَعَجَبٞ قَوۡلُهُمۡ أَءِذَا كُنَّا تُرَٰبًا أَءِنَّا لَفِي خَلۡقٖ جَدِيدٍۗ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ ٱلۡأَغۡلَٰلُ فِيٓ أَعۡنَاقِهِمۡۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (5)

{ وَإِن تَعْجَبْ } : يا محمد من إنكارهم النشأة الآخرة ، { فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ{[2485]} } أي : فعجبت في موضعه حقيق بأن تتعجب ، أو أن تعجب من تكذيبهم إياك بعد ما حكموا بصدقك فاعجب من قولهم أو تعجب من شيء فاعجب من قولهم : { أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا } مرفوع بأنه بدل من قولهم أو منصوب به وإذ نصب بما دل عليه قوله : { أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ } : هم الكاملون في الكفر ، { وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ } : يوم القيامة يسحبون بها في النار ، { وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ } .


[2485]:اعلم أنه أخطأ صاحب الفتح هاهنا خطأ بينا وغلط غلطا فاحشا حيث قال ناقلا عن القرطبي: والله تعالى لا يجوز عليه التعجب لأنه تغير النفس بشيء تخفى أسبابه وذلك في حق الله محال انتهى. أقول هذا بناء عل أصل فاسد وضعه نفاة الصفات فنفوا ذلك كثيرا من الصفات التي ثبتت في الكتاب والسنة كالرحمة، والغضب، والمحبة، والرضاء، والضحك والتعجب يقولون: إن هذه انفعالات نفسانية والله تعالى منزه عنها ول يدرون أنها انفعالات فينا لا في الله تعالى ـ تعالى عن ذلك ـ وكما أن ذاته تعالى ليس كذوات المخلوقات وصفاته أيضا لا يشابه صفات المخلوقين، وبيان ذلك أن كل ما سوى الله تعالى مخلوق منفعل، ونحن و ذواتنا منفعلة فكونها انفعالات فينا لغيرنا نعجز عن دفعها لا يوجب أن يكون إلا ما يشاء، و لا يشاء إلا ما يكون، له الملك وله الحمد وأما قولهم التعجب استعظام للمتعجب منه، فيقال: نعم، وقد يكون مقرونا بجهل بسبب المستعجب منه وقد يكون لما خرج عن نظائره والله تعالى بكل شيء عليم فلا يجوز عليه أن لا يعلم سبب ما يعجب منه، بل يتعجب منه لخروجه عن نظائره تعظيما، والله تعالى يعظم ما هو عظيم، إما لعظمه أو لعظمته فإنه وصف بعض الخير بأنه عظيم ووصف بعض الشر بأنه عظيم فقال تعالى: "رب العرش العظيم" (التوبة: 129)، وقال: "ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم" (الحجر:87)، وقال: "ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا بهم وأشد تثبيتا وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما" (النساء: 66،67)، وقال: "لولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم" (النور:16)، وقال: "إن الشرك لظلم عظيم" (لقمان:13)، ولهذا قال تعالى: "بل عجبت ويسخرون" (الصافات:12)، على قراءة الضم فهنا هو عجب من كفرهم مع وضوح الأدلة وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ آثر هو وامرأته لضيفهما: "لقد عجب الله من صنيعكما البارحة" [أخرجه البخاري في "التفسير"، (4889) ومسلم في الأشربة"، (4/947) ط الشعب]، وفي لفظ في الصحيح "لقد ضخك الله الليلة" [أخرجه البخاري في "مناقب الأنصار"،(3798)]، وقال: "إن الرب ليعجب من عبده إذا قال رب اغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، يقول الله: "علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب إلا أنا" [أخرجه أحمد (753 ط شاكر) و أبو داود (6202)، والترمذي (3443) وغيرهم، وانظر صحيح الجامع (2069)، والصحيحة (1653)]، وقال: "عجب ربك من شاب ليست له صبوة" [ضعيف،أخرجه أحمد والطبراني عن عقبة بن عامر مرفوعا، وانظر ضعيف الجامع (1658)]، وقال: "عجب ربك من راعي غنم على رأس جبل شظية ـ يؤذن و يقيم، فيقول الله: "انظروا عبدي" [صحيح، أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن عقبة مرفوعا، وانظر صحيح الجامع (8102)،وراجع الإرواء]، أو كما قال: ونحو ذلك هكذا قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد لحليم بن تيمية ـ قدس الله روحه /12.